توقيت القاهرة المحلي 06:40:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أبطال الثورة الحقيقيون

  مصر اليوم -

أبطال الثورة الحقيقيون

عمار علي حسن

جاءوا من الشوارع الخلفية، من البيوت الخفيضة التى نامت طويلاً على الضيم والفقر والصبر. جاءوا جيوشاً جرارة إلى قلب المدن، سواعد فتية، وحناجر تطلق ضجيجها الهادر فى وجه الظلم والفساد والجبروت فتصده وترده. قلة منهم سبقتنا إلى هناك، حيث الراحة الأبدية فى رحاب ذى الجلال. كانوا أبرياء فضحّوا بأرواحهم. الأغلبية عادت صامتة إلى الأزقة والحارات المغبونة، تضرب النرد على المقاهى من جديد، وتروض الوقت انتظاراً لفرصة حياة كريمة. هؤلاء هم صنَّاع الثورة المصرية الحقيقيون فى 25 يناير و30 يونيو، والذين فتحوا أمام أقدامنا، التى تورمت من الجلد والسحل والقهر، طريقاً وسيعاً نحو الحرية، وجعلونا نشعر بأن كل ما خطته أيادينا فى السنوات السابقة من حروف لم يكن حرثاً فى بحر، وكل ما قلناه فى ندوات ومؤتمرات أو خلف الشاشات الزرقاء لم يكن نفخاً فى الفراغ. هكذا سمع الشعب ووعى وآمن بأن قدرته فى عدده وتوحد إرادات أفراده. أما النخبة التى صاحت طويلاً فى وجه السلطة الغاشمة فقد عادت إلى صراخها؛ بعضهم من أجل الفتات الرخيص. بعضهم مغبون لأن الزحام الشديد بالميادين الوسيعة لم يترك لقدميه مكاناً. بعضهم يخاف على الثورة أن تقف فى منتصف المسافة، ويخشى على الذين جاءوا من دون سابق ترتيب بأن يغيبوا مرة جديدة، ويصبح استدعاؤهم صعب المنال. بعضهم شعر بأن مصر باتت لقمة سائغة، أو فريسة سهلة، يمكن أن ينقض عليها فيقتنصها. بعضهم راح يعدو وراء المنافع والمناصب من جديد. كل هؤلاء يتناسون فى سطوة الاستسلام لأنانيتهم المفرطة أن نحو ألف شهيد قد سقطوا، وأكثر منهم فقدوا أبصارهم، وأضعافهم أصابتهم جروح وقروح. وأعلى من ذلك، يتناسى هؤلاء أن عشرات الملايين من المصريين يحلمون بالحرية والكفاية والعدل، وينتظرون أن تفتح الثورة المباركة أمامهم طريقاً وسيعاً للبناء، ليشبعوا بعد جوع، ويكتسوا بعد عرى، ويرفرفوا بعد أن خلع النظام البائد أجنحتهم. الناس فى بلادى هم أبطال الثورة الحقيقيون، لكن هناك من يبذل كل جهده الآن من أجل تغييبهم عن المشهد، إما عن قصد وسوء نية، أو عن جهل، أو حتى عن استعلاء وقصر نظر. هؤلاء الأبطال لم يوكلوا أحداً حتى الآن ليتحدث باسمهم، لم يعطوا صكاً على بياض لأى مخلوق كان، كى يدّعى أنه يمثلهم، ولم يباركوا طرفاً كى يزعم أنه أمين على الثورة. ولسان حال أصحاب الثورة هو أن الجيش وكيل مؤقت عنهم، والكلمة الأخيرة ستعود إليهم، ليقولوا ويحددوا هم من سيدير الدولة فى الفترة المقبلة. إن صراع الديكة الذى يدور على الفضائيات اليوم يذهب بالمصريين إلى القضايا نفسها التى كانت تثار أيام حكم المستبد حسنى مبارك والفاشل المتغطرس محمد مرسى، التى كانت أجهزة الأمن أولاً، وتنظيم الإخوان ثانياً، يصنعان بعضها لأخذ انتباه الناس بعيداً عن الأمور الحيوية التى تهم حياتهم. ويبدو أن الإعلام اعتاد هذا النهج ولا يريد أن يتخلص منه، ويلقيه تحت أقدام الثائرين، ليبدأ فتح صفحة جديدة مسئولة ترمى إلى إطلاق الطاقات الذهنية والنفسية لتبدع أفكاراً تسهم إسهاماً خلّاقاً فى بناء البلد، وتحقق مطالب الثوار الحقيقيين، الذين ضربوا الشوارع بأقدامهم فزلزلوا الأرض من تحت نظامين بائدين، فسقطا، ثم عادوا من حيث أتوا، ليقوم غيرهم بإحكام القبضة على دفة الأحداث والوقائع وصناعة الأخبار وطرح المسائل على طاولة النقاش اليومى. إن الشعب الغاضب الذى فتح صدره أمام الرصاص فى الشوارع والميادين، وضرب بساعده الفتى حشود الأمن المدججة بالظلم والكراهية، كان يهدم نظامين أذاقا المصريين الفقر والذل والهوان، ليفتح باباً وسيعاً أمام بناء نظام آخر على أنقاضهما، ينقل مصر كلها من هامش العالم إلى متنه، لكن يبدو أن قوة شريرة، شبابية وغير شبابية، توجهها غرائزها ومصالحها الخاصة الضيقة وفهمها المريض وتفكيرها المنعزل الصغير ورغبتها الجامحة فى حب الظهور وركوب الموج وسرقة المواقف واصطناع البطولات المزيفة تريد أن تجر مصر العظيمة إلى مستنقع جديد من الارتباك الأمنى والتخلف الفكرى والتردى الاقتصادى، ومثل هؤلاء يخونون دماء الشهداء ويتنكرون لأوجاع الجرحى، ولا يربطهم عهد ولا ذمة بأبطال الثورة الحقيقيين، الذين ضحوا من أجل دولة حديثة، نظامها ديمقراطى، وحكمها مدنى، يقام فيها العدل، وتحقق فيها الكفاية، وتصان الحريات. نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبطال الثورة الحقيقيون أبطال الثورة الحقيقيون



GMT 03:13 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

تواصل جاهلي

GMT 03:10 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

«عاشوراء» إيرانية في سماء إسرائيل

GMT 03:04 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

الحلّاق الإيراني ورقبة السلطان

GMT 02:57 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

هل تمنع أميركا حرباً إقليمية؟

GMT 02:54 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل ونهاية اللعبة الخطرة

GMT 02:52 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

مَن صاحب هوية القاهرة البصرية؟

GMT 02:47 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

كتاب لم يتم

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:31 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

آندي روبرتسون يخوض لقائه الـ150 مع ليفربول أمام نيوكاسل

GMT 06:47 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد نهاية الجولة الـ 13

GMT 02:10 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

7 أسباب تؤدي لجفاف البشرة أبرزهم الطقس والتقدم في العمر

GMT 22:29 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

أحمد موسى يعلق على خروج الزمالك من كأس مصر

GMT 11:02 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أعراض التهاب الحلق وأسباب الخلط بينه وبين كورونا

GMT 03:10 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

زيادة في الطلب على العقارات بالمناطق الساحلية المصرية

GMT 22:14 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

بورصة بيروت تغلق التعاملات على انخفاض
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon