توقيت القاهرة المحلي 04:09:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من خلف النظارة السوداء

  مصر اليوم -

من خلف النظارة السوداء

عمار علي حسن

  يرى «بلزاك» أن ثلاث قصص جيدة فى مجموعة واحدة تكفى لندرك أننا أمام كاتب لديه ما يقوله وكتاب يستحق القراءة بلا تردد. ومؤلف كتاب «من خلف النظارة السوداء»، الأديب الشاب محمد أيوب عبدالمنعم، عبر ذلك الرقم، استطاع أن ينبه الحواس، ويوقظ الخواطر، ويداعب الأذواق والمواجيد، ويلفت الانتباه إلى موهبة تنضج على مهل، وإلى قلم يجب أن يحفر طريقه فى ثقة بمزيد من القراءة، بلا حدود وفى أى اتجاه. فى بعض هذه القصص تولد لديك الدهشة، وفى أخرى يتهادى إليك التأمل، وتنبت عاطفة جياشة على ضفاف الروح. فهنا قدرة مناسبة لتشكيل لغة جميلة، وإمكانية لا بأس بها لبناء عالم حافل بالمفارقات والرؤى، موزعا نفسه على الحب والثورة وكفاح البشر المرير من أجل الانتصار على القهر والصمت والاغتراب والانسحاب. وفى بعض هذه القصص تجدك نفسك تواجه أسماء شخصيات تعرفها، مثل خالد سعيد وجيكا، وتلقى شوارع ساخنة شهدت معارك ومصادمات بين شباب غاضب ورجال الأمن، وتجد علاقات سياسية مباشرة، كأن يقول مطلع قصة أخذت عنوان «.. وعاد مهزوما» من دون مواربة: «بعد محاولات فاشلة لإحياء الحركة الطلابية، وإعادة أمجادها، وذريعة انتقام أمن الدولة منه، تخرج أحمد صابر فى كلية التجارة بتقدير مقبول، ودور ثان، بعد سبع سنوات من التحاقه بها. أيامه داخل الحرم الجامعى سخرها لبث روح المقاومة مرة أخرى داخل شباب لم يتلوث بعد». هنا يضع المؤلف يده على مرحلة «التخمر الثورى»، ليصل بنا إلى بداية قصة أخرى تحمل عنوان «ضريبة الانتماء» تبدأ مباشرة لتقول: «أجمل فترة عشتها فى حياتى تلك الفترة التى أعقبت الــ18 يوما الأولى فى ثورة 25 يناير.. كانت أياما فى غاية الجمال، كأن السماء فجأة أمطرت حبا وإخلاصا لهذا الوطن».لكن ليس كل القصص عن الثورة، وليست كل الجمل بهذه التقريرية، فالكاتب يمتلك قدرة على نسج عبارات فياضة بالجمال، لا سيما فى أقاصيصه التى ترسم ملامح تجربة عاطفية مريرة، أو التى تغوص فى القيعان البعيدة للمدينة لتلتقط بعض الوجوه الكادحة، والشباب المفعمين بالأمل، وتطرحها على الورق فى صور حميمة، وبكلمات مباشرة، تعانق الفصحى فيها العامية. ولعل قصة «الخطاب الأخير» وهى الأخيرة فى المجموعة، كانت الأعذب من الناحية اللغوية، وهى عبارة عن خطاب يوجهه عاشق إلى فتاة وقع فى غرامها، يبدأه بالقول: «حبيبتى.. اليوم أخيراً انتفض قلمى من سجن عجزه. قاوم واجتهد وأخيراً فر هاربا. فر هاربا كى يكتب لك، ويوضح ويصحح أخطاءه. لم يهرب من أجل تقديم صكوك الغفران لك، لكنه جاء شامخا ليهزم فشله، فلا تتعجبى». ولا يدعك الكاتب تدخل إلى دنياه الجديدة إلا وأنت تقف فى صفه وتضع يدك على كتفه، حتى ولو من قبيل الحدب الإنسانى أو الحياء، حين يهدى ما خطه بنانه هنا إلى أبيه الذى رحل عن دنيانا منتظرا أن يحقق الابن وعده له بألا يكون عابرا كأغلب الناس، بل يترك خلفه علامة راسخة مضيئة، ويكون ما يريد، وبالتالى فالإهداء فى هذه المجموعة هو أحد مفاتيح قراءتها، حيث يقول: «الشخص الوحيد الذى كنت أريد أن أرى سعادته بطباعة أول مجموعة قصصية لى. لولا طيفك الذى يؤنسنى كل ليلة فى منامى لكانت انتهت حياتى منذ وفاتك يا أبى. ها أنا أكمل الطريق الذى تركتنى فى أوله، وأفى بالوعد الذى قطعناه سويا. سأكون ما تريد أن تفخر به، فنم مطمئنا إلى أن نلتقى». وأعتقد أن أيوب سيحقق مع الأيام، إن شاء الله، ما تمناه له والده. «من خلف النظارة السوداء» قصص تراوح بين براءة التجربة الأولى والرغبة العارمة فى التحقق، اتكاء على معنى ليس بالقليل، وفن ليس بالضئيل، وتجربة تحتاج بمرور الأيام إلى الخروج من سجن الذات إلى رحاب الحياة بأفراحها وأتراحها.  

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من خلف النظارة السوداء من خلف النظارة السوداء



GMT 04:09 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

شكراً إيران

GMT 04:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عودة إلى «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران!

GMT 04:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نيران المنطقة ومحاولة بعث التثوير

GMT 04:00 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

GMT 03:50 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ليبيا وتداول السلطة بين المبعوثين فقط

GMT 03:48 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأردن من أيلول الأسود لليوم

GMT 03:33 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

اكتشافات أثرية تحت المياه بالسعودية

GMT 03:21 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«الإبادة» ليست أسمى

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 15:00 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 02:46 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم تشيلسي يرفض دعوة ساوثجيت لوديتي ألمانيا والبرازيل

GMT 03:35 2017 الجمعة ,09 حزيران / يونيو

سهر الصايغ تعرب عن سعادتها بنجاح مسلسل "الزيبق"

GMT 13:23 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

التنورة المحايدة تعطيك المجال الأوسع لإطلالة مختلفة

GMT 12:43 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

سيرين عبد النور تأسر القلوب بجمبسوت أنيق

GMT 00:46 2021 الثلاثاء ,03 آب / أغسطس

الحكومة تنتهي من مناقشة قانون رعاية المسنين

GMT 11:57 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

مالك إنتر ميامي متفائل بتعاقد فريقه مع ميسي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon