توقيت القاهرة المحلي 10:41:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

في معنى الولاء

  مصر اليوم -

في معنى الولاء

عمار علي حسن

يكون الفرد مخيرا فى أغلب الأحيان بين ثلاث جهات يمنحها ولاءه الأساسى، الأولى الدولة الوطنية، والثانية هى الأمة وبعض الجماعات والكيانات التى تتجاوزها والمرتبطة بالدين والطبقة والتحيز الأيديولوجى، والثالثة هى التجمعات الأصغر من الدولة مثل العائلة والقبيلة والطائفة والمؤسسة.. إلخ. ومعظم الأفراد يدينون بشكل من أشكال الولاء للجهات الثلاث معا، ويسعون إلى إيجاد طريقة للجمع بينها، وإدارة أى اختلافات أو خلافات قد تنشب بينها، والتقليل من حجم التوتر الناجم عنها، الذى يوجد دوما، لكنهم يعرفون أن الولاء للوطن يجب أن تكون له الأسبقية، وهو الأساس، لأنه لا يتعارض، بل يضم، الأشكال والحالات الأخرى من الولاءات. إن قيمة الولاء من العوامل الأصيلة التى تزكى الاستقرار، وتدعم أركانه، عبر مساهمتها فى كسب رضاء الجماهير الغفيرة، ودفعها إلى الالتفاف حول المصلحة الوطنية العليا. ومن ثم فإن النظم المستبدة، المحافظ منها والثورى، وكذلك النظم الديمقراطية، تهتم بقضية الولاء. ففى الدول التى تحتكر مجموعة محددة السلطة ويقل فيها معدل دوران النخبة السياسية أو تلك التى تفتقد إلى تداول السلطة بشكل منظم ومحدد بناء على إجراءات متفق عليها نابعة عن عقد اجتماعى عادل مبرم بين السلطة والجماهير، يصبح الاستقرار بمعنى «تكريس الوضع القائم» هو الهدف الأساسى للسلطة الحاكمة، فتحاول عبر آلتها الدعائية أن تقدمه على أنه غاية فى حد ذاته. والنظم الثورية تحتاج إلى الولاء لتجنيد الناس وتعبئتهم خلف مواقفها الرامية إلى إحداث تغييرات جذرية فى بعض المجالات. أما الدول الديمقراطية فهى تحتاج الولاء لحشد الناس وراء مشروعات التنمية الاقتصادية والسياسية، وإعلاء حقوق المواطنة. وجميع النظم تحتاج إلى ولاء شعوبها أيام الأزمات الداخلية والخارجية. وداخل الدولة الواحدة لا يسير الولاء فى اتجاه واحد، أو يذهب إلى جهة واحدة، إذ لا يتفق المواطنون كافة على الإخلاص لرمز أو قيمة أو فكرة أو أيديولوجيا واحدة، وإنما تتعدد الانتماءات، وتتشابك الولاءات، ويصبح لدينا نسيج عريض من التحيزات العاطفية والمعرفية داخل حدود الدولة الواحدة، وفى ربوع المجتمع الواحد. ورغم أن هذا الافتراض يقوم على مقولة أو حكمة عامة تصل إلى حد أن تكون مذهبا بل ترقى إلى مستوى القاعدة المسلم بها وهى أن «الاختلاف سنة الحياة» فإن هناك أسبابا كثيرة تؤدى إلى تباين الولاءات بين الناس، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تعدد ركائز القوة وانتشارها، وتنوع الأفكار واختلاف البيئات النفسية والاجتماعية للأفراد. فالقوة المادية والمعنوية لا تتركز فى فرد واحد أو مجموعة واحدة، وإنما تنتشر بين أفراد عدة ومجموعات عديدة، فهذا يستمد قوته من منصب سياسى يتبوأه، وهذا يستند فى نفوذه إلى صيت أو سمعة طيبة، وذلك يمتلك ثروة طائلة، تجعله قادرا على التأثير الاجتماعى، أو يحمل فى عقله معرفة دينية أو دنيوية تجلب له المكانة الاجتماعية. والأفكار ليست نمطا واحدا، وإنما ألوان عديدة. فبالنسبة للنوع هناك التقليدى والتحديثى. وبالنسبة للاتجاه نجد اليمينى واليسارى ومن يقف فى المنتصف أو متبع «الطريق الثالث». وبالنسبة للتصنيف القيمى هناك المتطرف والمعتدل. ويندرج هذا جميعا تحت مسميات ثقافية عامة، مثل دينى وعلمانى، كما يختلف الأفراد من حيث البيئة الاجتماعية التى ينتمون إليها، فهناك الريفى وهناك الحضرى. ومن حيث التصنيف الطبقى نجد الناس تتفاوت بين الفقر المدقع والثراء الفاحش، وهما طرفان متناقضان بينهما عشرات المستويات التى تظهر إلى حد بعيد مدى تعقد الوضع الطبقى، إذا ما تم تحديده على أساس الدخل. وهذا التفاوت والتشابك يؤدى فى النهاية إلى تعدد التحيزات العقلية، والميول النفسية للأفراد لتباين خلفياتهم من جهة، وتعارض مصالحهم من جهة ثانية، ومن ثم تتعدد ولاءاتهم. وقد يبدو ذلك فى نظر البعض طريقا للتفسخ والتضارب بين مختلف الشرائح الاجتماعية، ما يسبب قلاقل متوالية للنظام السياسى. لكن النظرة المتأنية يمكن أن تقود إلى رأى يتناقض مع هذا إلى حد بعيد. فاختلاف الولاءات، إن كان يتم تحت راية إطار عام أو أرضية مشتركة، يؤدى إلى تفاعل قوى المجتمع مع بعضها البعض، بشكل أفقى، بحيث يتكفل كل منها بالآخر، ما يقلل من إمكانية أن تسير الإرادة المجتمعية بشكل رأسى لإزاحة السلطة الحاكمة. وحين تفشل هذه السلطة فى الحفاظ على ذلك التوازن يحدث الانقطاع الحاد للرحلة الطبيعية للمجتمع، كأن تقوم ثورة أو يقع تمرد، أو تسقط البلد فى عنف مفرط وإرهاب. نقلًا عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في معنى الولاء في معنى الولاء



GMT 04:09 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

شكراً إيران

GMT 04:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عودة إلى «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران!

GMT 04:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نيران المنطقة ومحاولة بعث التثوير

GMT 04:00 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

GMT 03:50 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ليبيا وتداول السلطة بين المبعوثين فقط

GMT 03:48 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأردن من أيلول الأسود لليوم

GMT 03:33 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

اكتشافات أثرية تحت المياه بالسعودية

GMT 03:21 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«الإبادة» ليست أسمى

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 15:00 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 02:46 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم تشيلسي يرفض دعوة ساوثجيت لوديتي ألمانيا والبرازيل

GMT 03:35 2017 الجمعة ,09 حزيران / يونيو

سهر الصايغ تعرب عن سعادتها بنجاح مسلسل "الزيبق"

GMT 13:23 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

التنورة المحايدة تعطيك المجال الأوسع لإطلالة مختلفة

GMT 12:43 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

سيرين عبد النور تأسر القلوب بجمبسوت أنيق

GMT 00:46 2021 الثلاثاء ,03 آب / أغسطس

الحكومة تنتهي من مناقشة قانون رعاية المسنين

GMT 11:57 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

مالك إنتر ميامي متفائل بتعاقد فريقه مع ميسي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon