توقيت القاهرة المحلي 13:25:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ما جرى لخيرت الشاطر

  مصر اليوم -

ما جرى لخيرت الشاطر

عمار علي حسن

عاد المهندس خيرت الشاطر من لجنة الاستفتاء حزيناً، يتردد فى أذنيه صدى الصراخ الذى أطلقته نسوة غاضبات فى وجهه: «يا قاتل»، لم يحفل بغير ذلك من الألفاظ النابية التى اقتحمته ونزلت على رأسه كالصاعقة، فحولت خيلاءه إلى انكسار، وخطواته الواثقة الثابتة إلى هرولة نحو أى باب للخرج أو الهروب. هز رأسه كثيرا، وغرق فى تفكير عميق، وراح سؤال اللحظة يوخزه: أهذا ما كنا نريد؟ كيف ظن من أطلقنا على وجه الأرض أن السيادة رهينة المحبة وليس رديفة للعنة والنبذ؟ وأخذ يستعيد خطواته التى قطعها فوق دروب الجمر والشوك نحو ما يجده بين يديه الآن، بينما هو جالس يجيل بصره فيمن حوله ويعبث قليلا فى لحيته، ثم يزم شفتيه ويصدر القرار، فيردون عليه من دمياط إلى حلايب: «سمعا وطاعة». حتى من وضعه فى صدارة المشهد أمام كل العيون، لا يعصى له أمراً. لكن كل هذا لا يهم، فسرعان ما نفض عن نفسه هذه المشاعر التى تليق بداعية وليس رجل سياسة عملى، يعرف من أين تؤكل الكتف، وراح يتابع نتيجة المرحلة الأولى من الاستفتاء، ثم أخذ يضرب كفا بكف، يضاهى ما يعلم أنه قد حدث بعد أن خطط ودبر بالأرقام التى تتوالى ويقول: «نحن نتداعى، أقدامنا تقف الآن على شفا بحر الرمال العظيم، أو ناصية جبل أشم تضربه عاصفة هوجاء فتضربنا»، يمد يده إلى درج مكتبه ويخرج الورقة التى سجل فيها خلاصة التوقعات التى انتهى إليها مكتب الإرشاد وينظر إليها ملياً، ثم ينفخ فى غيظ، وينصت إلى هاتف يناديه من أعماقه: إنه كان الصعود إلى الهاوية، أو القفز فى الفراغ. لا يستطيع الشاطر، وهو مولع بالحسابات بداية من أرقام تشكل حبات مسبحة تاجر ونهاية بالجدل الاجتماعى والتاريخى الذى استقاه من تجربته اليسارية القديمة، أن يخدع نفسه، يفهم أنه من الممكن أن يقول للناس أى شىء، ويعرف كيف سيطلب من الأبواق التى ستطلق ليلا وتجول على الفضائيات، قد تقف عند رقم معزول بسيط، وتقول: لو الاستفتاء على مرسى فشعبيته تعززت، لكن ماذا يقول لنفسه؟ وهذا هو الأهم، وهو يعرف تماما أن مرسى بشخصه وإمكانياته الذاتية ما كان يمكن أن يحصل إلا على عشرات الآلاف من الأصوات، وربما أقل. شهق وزفر بعمق، ثم أمسك بالقلم الرصاص، وراح يكتب: «شاركنا بكل طاقتنا، وصوت أتباعنا من دون غياب، وحزنا 17% تقريبا ممن لهم حق التصويت. كان الحاضرون 31% من جملة ما يزيد على 25 مليون ناخب فى المرحلة الأولى، وهذا معناه أن الـ69% المتبقية، التى قاطعت أو تلكأت أو لم تبالِ بما يجرى، علينا وليست لنا، أو على الأقل نحن فشلنا فى جذبها إلينا وإقناعها، فهل هى احتياطى استراتيجى لخصومنا؟ وماذا بوسعنا أن نفعل لو أدركوا هم هذا وبدأوا خطة تعبئة محكمة لدفع هذه الكتلة البشرية الضخمة للتصويت لهم فى الانتخابات البرلمانية المقبلة؟»، لكن يستدرك: «بوسعنا أن نهندس قانون الانتخابات على مقاسنا، ويفرخ مجلس الشورى فى أيام كل التشريعات التى أعددناها فنمسك برقبة الدولة، لكن هل هذه هى الشرعية الأخلاقية التى سوقناها للناس طويلا أم السقوط؟ وحتى لو مر الدستور عنوة فهل بوسعنا أن ندير بلداً لم نتوقع أن يقع فى أيدينا هكذا سريعا؟ وهل نملك مشروعا لنهضته فعلا أم إنه (الفنكوش) كما قالوا عنه؟ من أين لنا أن نوفر الغذاء والدواء والكساء والإيواء والتعليم والترفيه للجميع ونحن لم نتعلم شيئا طيلة حياتنا سوى العمل للجماعة؟». وتزاحمت فى رأسه الأسئلة والظنون، ومد يده والتقط هاتفه المحمول وراح يوبخ كل من دونه: «تتراخون فيتسرب كل شىء من بين أيدينا»، لكنهم يردون عليه بصوت خفيض: بذلنا كل ما فى وسعنا. وينتفض غاضبا ثم يهدأ ويسأل نفسه: «هل توهمنا أننا قد وصلنا إلى التمكين؟ وهل يمكن أن ينفعنا استبدال المحبة بالغصب والخطف والتلاعب؟»، وفجأة تحل برأسه جملة سمعها قبل أيام من رجل عابر، لا يعرف اسمه ولا عنوانه، كان يقولها على إحدى الشاشات موجها كلامه إلى جماعة الإخوان: مصر كبيرة عليكم. وتلوح فى الأفق ظلال النهايات التعيسة حتى ولو لم تكن دانية.. نقلاً عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما جرى لخيرت الشاطر ما جرى لخيرت الشاطر



GMT 04:09 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

شكراً إيران

GMT 04:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عودة إلى «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران!

GMT 04:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نيران المنطقة ومحاولة بعث التثوير

GMT 04:00 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

GMT 03:50 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ليبيا وتداول السلطة بين المبعوثين فقط

GMT 03:48 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأردن من أيلول الأسود لليوم

GMT 03:33 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

اكتشافات أثرية تحت المياه بالسعودية

GMT 03:21 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«الإبادة» ليست أسمى

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 20:53 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أجاج يؤكد أن السيارات الكهربائية ستتفوق على فورمولا 1

GMT 02:41 2016 الأحد ,15 أيار / مايو

الألوان في الديكور

GMT 15:53 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

إقبال على مشاهدة فيلم "Underwater" فى دور العرض المصرية

GMT 15:43 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

مجلس المصري يغري لاعبيه لتحقيق الفوز على الأهلي

GMT 14:25 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

دراسة جديدة تُوصي بالنوم للتخلّص مِن الدهون الزائدة

GMT 17:44 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يستغل الخلاف بين نجمي باريس سان جيرمان

GMT 03:56 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

عبدالله الشمسي يبتكر تطبيقًا طبيًا لمساعدة المرضى

GMT 14:00 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

أودي تطرح أفخم سياراتها بمظهر أنيق وعصري

GMT 17:49 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

مدير المنتخب الوطني إيهاب لهيطة يؤجل عودته من روسيا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon