توقيت القاهرة المحلي 13:52:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السرطان السياسى (2 - 5)

  مصر اليوم -

السرطان السياسى 2  5

عمار علي حسن

بناء على هذه المسوغات، التى عرضتها فى المقال السابق عن الاستبداد أو السرطان السياسى، لم يكن هناك حاكم ومحكومون على مدار قرون طويلة، بل مالك وأقنان، سيد وعبيد، سلطان ورعية، لا حقوق لها إلا ما يجود به من بيده مقاليد الأمر، ولا حريات لها إلا بقدر ما يغفل عنه أو يتركه عفواً أو استهانة. ومن أمثلة الحكام المستبدين: الإمبراطور الرومانى كاليجولا، والإمبراطور الرومانى نيرون، والحجاج بن يوسف الثقفى، وجنكيز خان، وهولاكو، وتيمورلنك، والقيصر الروسى إيفان الرهيب، ولويس الرابع عشر، إمبراطور فرنسا، وروبسبير، طاغية الثورة الفرنسية، وشارك الأول، ملك إنجلترا، وتشاى كان شيك، طاغية الصين، وأدولف هتلر، وموسولينى، والإمبراطور الإثيوبى هيلاسلاسى، وباتيستا، حاكم كوبا، وسالازار، طاغية البرتغال، وفرانكو، طاغية إسبانيا، وعيدى أمين، طاغية أوغندا، ومحمد رضا بهلوى، ملك إيران، وبوكاسا، رئيس أفريقيا الوسطى، وحافظ الأسد وابنه بشار فى سوريا، ومعمر القذافى، طاغية ليبيا. وحتى العصر الحديث استخدم العلماء والفلاسفة خلال تلك القرون كلمات أو مصطلحات أخرى للتعبير عن الاستبداد، مثل «الطغيان»، الذى عنى به الحكم القسرى الذى يهضم الحرية ويخرق الحكومة الدستورية وحكم القانون. ويقال إن الشاعر اليونانى أرخيلوخوس كان أول من استخدم هذا المصطلح حين أطلقه على الملك جيجيز، لكن هناك من يرد الكلمة إلى القبائل التركية القديمة التى كانت تحيا فى تركستان حاليا واتسمت بالقوة والتوحش، وكان الفرس والروم يسمون بلادهم «توران»، ومنها جاءت الكلمة Tyrant. وفى بداية استخدامها لم تكن كلمة طاغية تحمل معنى كريهاً شريراً، بل ربما كانت مرادفاً للملك والحاكم نفسه، مثلما تدلنا مسرحيات أسخيلوس وسوفوكليس، ومع أفلاطون وأرسطو بدأت التفرقة بين المعنيين، وصارت كلمة طاغية تعنى الإكراه والقهر. وقد اعتبر أرسطو الطغيان حالة مرضية بالنسبة لليونانيين وطبيعية بالنسبة للآسيويين، وربط بينه وبين سعى الملك إلى تحقيق منفعته الشخصية، حتى لو اضطر إلى استخدام العنف، مع تجاهل مصلحة الشعب. أما أفلاطون فعرف «حكومة الطغيان» بأنها سلطة الفرد الظالم، أو الجائر، حيث يسود الجور الكامل بغير خجل. وعرفت الثقافة العربية الإسلامية مصطلح «الطاغوت»، الذى يعنى مجاوزة القدر والارتفاع والمغالاة فى الكفر، وبذا يصبح الطغيان هو مجاوزة الحد فى العصيان. وبينما اعتبر الإمام مالك أن الطاغوت هو ما عُبد من دون الله، فإن ابن القيم الجوزية توسع فى تبيان مدلول المفهوم فرأى أن الطاغوت هو «كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو طاغوت، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله». واعتبر الفقهاء واللغويون أن «الطغيان» أشد وأعم من «العتو»، لأن الأول ينطوى على إكراه مع غلبة وقهر، أما الثانى فهو المبالغة فى المكروه فقط. كما ينطوى الطغيان على نقيصتى «الجبر» و«القهر» التى يمكن للمستبد أن يتبعد عنهما فى ممارسته، أو لا يكون مضطراً بالضرورة إلى تنفيذهما كى يمسك بمقاليد الأمور فى يده، بل قد لا يلجأ إلى أى تصرفات عنيفة ضاغطة على المحكومين أصلاً. ومعنى هذا أن الاستبداد يأتى مغلفاً بأساليب وخطابات ناعمة تغلفه وتخدع الناس به، أما الطغيان فيمارس وفق تنكيل ممنهج بالناس ورغبة دفينة فى إيذائهم بدنياً ومعنوياً. والمستبد يمكن أن يتحكم فى الأمر ظناً منه أن هذا فى مصلحة شعبه، أو أن الظروف تتطلب هذا، وأنه فى حاجة ماسة إلى هذا التحكم ولو لبعض الوقت حتى يصل إلى الخير الذى يسعى إليه ولا يصبر الناس عليه حتى يبلغه. أما الطاغية فهو مسرف بطبعه فى الموبقات وظلم الرعية والبطش بها، ويقترب أحياناً من التأله، وإرهاب الناس بالتعالى والتعاظم، وعدم التقيد بقانون أو دستور، وتسخير موارد البلاد لإشباع رغباته وملذاته، ورفض الخضوع لأى مساءلة أو رقابة أو محاسبة. (ونكمل غدا إن شاء الله تعالى)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السرطان السياسى 2  5 السرطان السياسى 2  5



GMT 07:55 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

رائحة الديمقراطية!

GMT 07:51 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

نصرة.. ونعمة.. وصدفة

GMT 07:49 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

صراع النجوم.. ومن (يشيل الليلة)!!

GMT 07:46 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

من حكايا دفتر المحبة.. التى لا تسقط (٤)

GMT 07:42 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

الصفحات الصفراء

GMT 03:54 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

عاربون مستعربون: لورانس العرب والصحراء

GMT 03:51 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

هل من أمل في مفاوضات سودانية؟

GMT 03:47 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

سلِّموا السلاح يَسلم الجنوب!

الملكة رانيا بإطلالات شرقية ساحرة تناسب شهر رمضان

عمان ـ مصر اليوم

GMT 16:39 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

تعرف على أفضل انواع "الأرضيات الصلبة" في الديكور المنزلي

GMT 04:37 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

نادين نجيم تتألق في حفلة Bulgari Festa في دبي

GMT 14:32 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

الآثار تصدر الجزء الأول من سلسلة الكتب عن مقابر وادي الملكات

GMT 10:34 2017 الأحد ,23 إبريل / نيسان

نيرمين الفقي تنشر صورة جريئة تكشف عن مفاتنها

GMT 15:16 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يرتدي الزي الجديد في تصفيات أمم أفريقيا

GMT 08:14 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيندي" تغزو عالم التزلج على الجليد بمجموعة فريدة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon