توقيت القاهرة المحلي 11:09:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شعوب ثورية وشعوب متآمرة

  مصر اليوم -

شعوب ثورية وشعوب متآمرة

بقلم : عريب الرنتاوي

ما ان تندلع تحركات شعبية واسعة، من مظاهرات واعتصامات ضد حكومة او نظام مدجج بالعقائد،  «نظام شمولي أو ما شابه»، حتى تندلع الاتهامات من كل حدب وصوب ... العقل الشمولي، لا يتسع للمعارضة ولا يتخيل أنه من النوع الذي يمكن أن يثير أي من النقد أو يتسبب بأي مظهر من مظاهر الاحتجاج ... دائماً، هناك قوى خفية، شريرة ومتآمرة، غالباً خارجية، وجدت لنفسها «موطئ قدم» في الداخل، مع ضعاف النفوس من «أبناء الوطن الحرام»، الذين تواطؤوا بدورهم ضد نظام «كامل الأوصاف».

حدث ذلك في الدول الاشتراكية من قبل، واتهمت الانتفاضات «الملوّنة» بالتآمر على التجربة الاشتراكية وأنظمة الطبقة العاملة والفقراء، لصالح الشركات الإمبريالية والليبرالية المتوحشة والعولمة الفاجرة والأولجاركية المالية، إلى غير ما هناك من أعداء واقعيين ووهميين، مع أن أحداً لم يكلف نفسه عناء البحث عمّا إذا كانت الشعوب تلك، راضية عن تجربة الاشتراكية أم أنها عاشت استبداد الحزب الواحد والرواية الواحدة والقائد إلى الأبد، .

يحدث الآن أمر مشابه في فنزويلا، يساريون وتقدميون ينظرون بعين الريبة إلى المظاهرات التي اندلعت ضد نظام الرئيس مادورو ... مع أن اليسار اللاتيني في أمريكا اللاتينية وصل سدة الحكم بالطريقة ذاتها، وبعد سيل من التظاهرات والاعتصامات والاضرابات، مكنته من احتلال صناديق الاقتراع ومقاعد الأغلبية البرلمانية ... التظاهرات تليق باليساريين، بل ويحظون بالإطراء كلما ازدادت عدداً وعديداً، ولكن عندما ينتفض الناس ضد حكم اليسار، توقاً في تبادل السلطة وتبديلها، يستحق هذا الجمهور كل اللعنات والإدانات، بل ويوصف بالعميل و»الملون» و»المتأمرك» وغير ذلك.

ما ينطبق على اليساريين، ينطبق على الإسلاميين، وربما بدرجة أكبر، هنا تهبط السماء على الأرض وتتحول اللعنة والإدارة إلى تكفير وتجريم، وندخل في باب الحرام والحلال ... خير مثال على ذلك ما يجري في تركيا ... أكثر من 120 ألف تركي اعتقل أو فصل من عمله، لأنه متآمر ... حملات التطهير لا تتوقف، الصحافة مصادرة، وتركيا في سنواتها العجاف الأخيرة، استحقت عضوية نادي الأنظمة الاستبدادية ، ومع ذلك، لا يكف السيد أردوغان وصحبه، وتابعوه وتابعو تابعيه من الإسلاميين العرب على وجه الخصوص، عن وصف كل ما تتعرض له تركيا بالمؤامرة، وعن اتهام نصف الشعب التركي غير المؤيد لأردوغان بالزندقة، واعتبار كل انتقاد يصدر بحق «السلطان» عداء للإسلام ورفضا لرسالة السماء ... أية بلاهة هذه؟

عندما خرج الإسلاميون العرب في تظاهرات الربيع العربي (متأخرين بعض الشيء) وصفت الظاهرة بأنها أنبل ما أنتجته الأمة في تاريخها الحديث، وعندما خرجت الجماهير بتظاهرات ضد حكم الإسلاميين، عدنا للحديث عن المؤامرة والمتآمرين، الانقلاب والانقلابين وغير ذلك مما نعرف وتعرفون.

إيران من قبل أربعة عقود، قدمت أروع الأمثلة في المظاهرات المليونية التي عمت طهران ومختلف المدن ... أبناء الثوار وأحفادهم الذي خرجوا في 2009 احتجاجا على نتائج الانتخابات، اتهموا بالزندقة والتآمر وضربوا بأسلحة السجن والتكفير والتنكيل ... من ذا الذي يعطي لنفسه الحق في تمجيد فريق من الناس وشيطنة فريق آخر، ومن أعطاه الشرعية لفعل ذلك، ومن قال له أن حصوله على التفويض الشعبي ذات يوم، يعني أنه حصل عليه إلى الأبد، وأن بمقدوره أن يفعل به ما يشاء؟ ... لقد بلغ الأمر عند بعض الإسلاميين حد الاعتقاد، أن كل انتخابات لا يأتون فيها بالأغلبية، باطلة ومزورة وغير شفافة، حكماً، لأنه لا يعقل ألا يكتسحوا أية انتخابات شفافة، فالشعب متعلق بهم، تعلقه بدينه، وهم سدنة رسالة السماء وحملة مفاتيحها على الأرض.

الظاهرة في سوريا لم تكن خروجاً عن هذا النسق، حلفاء النظام والنظام ذاته، احتفلوا بالربيع العربي وأسهبوا في تمجيده لفترة قصيرة كانت كافية لإسقاط زين العابدين بن علي ومحمد حسني مبارك ... لكن عندما انتقلت شرارات الربيع لتحرق أطراف ثوب النظام في دمشق، استحال الربيع خريفا، والمديح هجاءً، والثورة مؤامرة، والجماهير بيادق ... المؤسف أن هذا «اللا منطق» صدر وما زال يصدر عن قوى وتيارات يسارية وقومية، تقدس – لفظياً – العمل الشعبي والجماعي، وبعض قادتها قضى الردح الأطول من حياته في الشوارع والميادين، متظاهراً أو معتصماً أو مضرباً.

وتبلغ السذاجة ببعضنا حد إضفاء لقب «أبو الربيع العربي» على برنارد ليفي، المفكر اليهودي الفرنسي، وتنسب إليه المعجزات في هندسة هذا الربيع، من تونس إلى مصر، مروراً بليبيا ... لكأن ملايين السذج الذين خرجوا للساحات والميادين، وخاطروا بأرواحهم، كان ينقصهم غيض من فيض التعاليم المقدسة للسيد ليفي ... أي سخف هذا، وأي استخفاف بـ «الجماهير الشعبية»، التي يحلو للقائلين بهذا الكلام المتهافت، ادعاء تمثيلها والنطق باسمها.

من يحترم «جماهيره» ويدعو الآخرين للانصياع لإرادتها وتطلعاتها، عليه أن يحترم «جماهير» الآخرين، ومن أدخل الألوان إلى الثورات والانتفاضات والمظاهرات، هم الإسلاميون واليساريون وعليهم احترام الرايات الأخرى بألوانها المختلفة، حتى وإن كانت برتقالية أو صفراء ... بخلاف ذلك، علينا أن نسائل أنفسنا، عن ديمقراطيتنا وتعدديتنا وقبولنا بالآخر، علينا أن نبحث عن «الاستئصالي» بداخلنا، لنستأصله قبل ان نتهم الآخرين بالاستئصالية.

المصدر : صحيفة الدستور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شعوب ثورية وشعوب متآمرة شعوب ثورية وشعوب متآمرة



GMT 07:42 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

الصفحات الصفراء

GMT 03:54 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

عاربون مستعربون: لورانس العرب والصحراء

GMT 03:51 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

هل من أمل في مفاوضات سودانية؟

GMT 03:47 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

سلِّموا السلاح يَسلم الجنوب!

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

القاهرة - مصر اليوم

GMT 09:41 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

"قطة تركيّة" تخوض مواجهة استثنائية مع 6 كلاب

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

هاشتاج مصر تقود العالم يتصدر تويتر

GMT 12:10 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رفيق علي أحمد ينضم إلى فريق عمل مسلسل "عروس بيروت"

GMT 03:39 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

مادلين طبر تؤكد أن عدم الإنجاب هي أكبر غلطة في حياتها

GMT 18:39 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

التفاصيل الكاملة لحريق شقة الفنانة نادية سلامة.

GMT 05:47 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الجنيه المصري مقابل الدينار الاردني الأحد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon