توقيت القاهرة المحلي 17:39:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تأملات "على الماشي"

  مصر اليوم -

تأملات على الماشي

حسن البطل

"السروة انكسرت"، "كل ما في الأمر أن السروة انكسرت" .. لكن شجرة التين العتيقة انكسرت بطريقة غريبة. "القطن المندوف" هو الثلج في الإنشاء المدرسي العتيق، لكنه كان سيف السماء المسلول، بل كان بلطة مارد ضربت في ثلجة كانون الأول الغريبة. ناءت الأشجار، ناخت غصونها والفروع تقصفت وانكسرت جملتها الخضراء من الغصون والفروع، لكن شجرة التينة البرية المهملة انقسم ظهرها، جذعها، بضربة بلطة، فصارت مثل ضريح الشاعر جناحَي فراشة، صاحب "كل ما في الأمر أن السروة انكسرت". الجذع من خشب السللوز، ولحاء الجذع هو دثار يحمي سير دبيب نسغ الحياة في الجذع إلى الفروع والأغصان والأفنان، وثلجة كانون الأول لم تكن رهيفة خفيفة مثل "الثلج المندوف" بل كأنها القشة في رهافة سيف وقوة بلطة قصمت جذع التينة نصفين متساويين! عشرون عاماً أراها دردبيس عارية شتاء، وترتدي عباءة خضراء كثيفة صيفاً، وتعقد فروعها ثمراً في آخر الصيف وأول الخريف. قلت: ماتت. قلت ستموت في الصحوة الخضراء في آذار ونيسان. قلت لن اقطف ثمرة تين من أغصانها الدانية. قلت ما قلت، كأن عظام جذعها كعظام جذع مخلوق حيواني، تتفرع منه أضلاع كالغصون والفروع، واللحاء هو الجلد، والنسغ هو الدم .. ولكن كلا؟ تصدعت الشجرة. انكسر جذعها نصفين..ناخت فروع كل جذع حتى لامست أديم الأرض .. لكنها لم تمت. انكسرت ولم تمت. شاركت غصونها في صحوة آذار، وأورقت أفنانها .. وقد تحمل فروعها وأفنانها ثماراً آخر الصيف وأول الخريف. لم تنكسر سروة تحت وطأة بساط ثقيل من "ثلج مندوف" صار جليداً لأسبوعين. انكسر جذع رئيس في شجرة الصفصاف في حديقتي، لكن للشجرة إياها فسائل تصير جذوعاً بديلة .. وتورق. أشجار غيرها صارت "كتعاء" بلا أذرع وأيد، بلا أصابع؛ بلا جملة غصنية .. ولكنها ستنمو من جديد. ست نخليات ست شجرات نخيل تحيّرني في أول رام الله التحتا. ست شجرات عاقرات عن الحبل والولادة ثمراً كما نخليات التمور. ثلاث شجرات في حوضة في قرنة من الشارع وثلاث شجرات في حوضة مقابلة من الشارع. ما الذي يحيّرني؟ ألأنها ذات طول سامق كما ليس للسروة، ولا لباقي النخليات؟ أم لأن جذعها أملس وأهيف، أم لأنها ترقص مع الريح العاتية رقصة صمود ولا ينكسر جذعها الرهيف. لكل شجرة عمرها المقدّر بالسنوات والأجيال والقرون. لكل شجرة علوها الأقصى عن أديم الأرض.. وهاته الشجرات الست تنمو وتعلو بتاجها الأخضر اللامع كل سنة مزهوة، كل عقود مزهوة .. وربما عمرها من عمر أول بيت رفع بنيانه في رام الله التحتا. غضب زميلي زكريا محمد قبل عشرين سنة عندما شدّوا بين جذعي شجرتين أنشوطة علقوا عليها "دلة" قهوة. البلدية لبّت غضبه ورفعت "الدّلة" .. وأنا شكرته والبلدية. صحيح، هناك خمس نخليات عاقرة في ساحة المنارة، لكنها نوع آخر غليظ الجذع نسبياً، وغير أملس، ويعلقون حبالاً بين جذوعها ويافطات تدعو لما يدعو إليه لسان الناس من فرح ومن غضب! شعر أخضر؟ صار الرجال "يصلعون" قبل الأوان، او صار الشباب يسألونني: إن لم تصلع الى الآن فمتى تشيب! شعر الرأس تاج، والتاج أسود اللون أو أحمر أو أشقر سيغزوه الشيب والبياض، او تغزوه "الثعلبة" والصلع. لكن لبعض البيوت القديمة، من حجر قديم وسميك سطحا كانوا "يدحلونه" مطلع كل شتاء ليرصرصوه حتى لا يدلف. لهذه البيوت سقوف من تراب على سطحها، وسقوف "عقد" داخلها. انها تشارك في صحوة الربيع، وترتدي سطوحها "قبعة" من شعر أخضر، او تنبت من بين شقوق جدرانها نباتات بل شجيرات دائمة الخضرة او متساقطة الأوراق. بيوت مهجورة تئن بهذا النشيد "يا دار / يا دار لو عدنا كما كنا / لأطليك يا دار بالشيد والحنا". مات أصحابها وهي في احتضار طويل! يقولون تموت البيوت (وأشجار البيوت) بعد موت أصحابها، لكن في نزاع موتها تقوم النباتات والشجيرات بدور كفن أخضر. السقف بلا دحل ينهار، والجدران تتفسخ مداميك حجارتها بقوة جذوع الشجيرات والنباتات. الموت حياة؛ والحياة موت. نقلاً عن جريدة "الأيام"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تأملات على الماشي تأملات على الماشي



GMT 04:56 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

المستفيد الأول إسرائيل لا إيران

GMT 04:15 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الغضب الساطع آتٍ..

GMT 04:13 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

جبر الخواطر.. وطحنها!

GMT 04:11 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

عامٌ يبدو أنه لن يكون الأخير

GMT 04:05 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الدعم المصري السخي

GMT 04:01 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

للعبادة معنى أشمل

GMT 03:57 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

في الهوا سوا

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:49 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
  مصر اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 08:00 2024 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

القمر في منزلك الثامن يدفعك لتحقق مكاسب وفوائد

GMT 11:11 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

قمة "كوكب واحد" تكرس ماكرون رئيسًا لـ"معركة المناخ"

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

دار Blancheur تعلن عن عرض مميز لأزياء المحجبات في لندن

GMT 16:21 2021 الجمعة ,11 حزيران / يونيو

ليفربول يودع جورجينيو فينالدوم برسالة مؤثرة

GMT 10:19 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

3 قلوب ينبض بها عطر "أورا" الجديد من "موغلر"

GMT 09:59 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

مجدي بدران ينصح مرضى حساسية الأنف بعدم الخروج من المنزل

GMT 03:10 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

صناعة الجلود في المغرب أصالة تبقى مع مرور السنوات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon