توقيت القاهرة المحلي 20:50:15 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أوكرانيا وفلسطين: القياس والبرهان

  مصر اليوم -

أوكرانيا وفلسطين القياس والبرهان

حسن البطل

لا نفهم علاقة الجيولوجيا بالسياسة، كما نفهم علاقة السياسة بالجغرافيا مثل هنري كيسنجر (جيوبولتيكا) وعلاقة هذه بالاستراتيجية، أو نفهم علاقة الفيزياء بالكيمياء. مع هذا، يخيّل إليّ أن غرام اليهودية والصهيونية والإسرائيلية بالقياسات (وهي شكل من أشكال البراهين) تشبه، في استحالة الفهم، علاقة الجيولوجيا بالسياسة. في الجيولوجيا هناك صخور: رسوبية، متحوّلة، واندفاعية (نارية).. لكن هناك شكلا رابعا خليطا وهجينا يسمى "كونفلوميرا" في اللغة العلمية العالمية لعلم طبقات الأرض (الجيولوجيا)، وقد عرّبوه في جامعة دمشق إلى صخر (المشبّك)! صخر المشبّك هو أنقاض ومهيلات صخور منفرطة، قريبة من سطح الأرض، قد تتماسك بملاط تحت قوة الضغط الفيزيائي، لكن ليس بقوة تماسك عناصر صخر "الغرانيت" الثلاثة: مرو (كوارتز)، فيلدسبات، ميكا. "الكونفلوميرا" الإسرائيلية مجموعة من المهيلات والأنقاض من الخرافة والاسطورة و"الوعد الإلهي" و"خراب اليهكل" و"الهولوكوست" ويجمعها، حالياً، ملاط لاصق هو القوة. لنترك التاريخ نائماً من هيرودوت إلى "اختراع أرض إسرائيل" لشلومو ساند، إلى محاولة إسرائيل للبرهنة على فرادتها، بغير "الوعد الإلهي" و"وعد بلفور".. وحتى "قرار التقسيم". في كل حالة تاريخية، من الغزوات الصليبية، إلى نظام سياسة ومصير الفصل العنصري السابق في جنوب أفريقيا، إلى نضالات الشعوب من أجل حريتها واستقلالها، يقولون في إسرائيل إن هذا ليس قياساً للحالة الإسرائيلية بما فيها الاحتلالات لشعوب وأراض أُخرى. تشظي اتحاد يوغسلافيا، عرقياً ودينياً، لا يشكل علاقة قياسية إلى احتمال تشظي إسرائيل نتيجة احتلالها لفلسطين، ولا مقاطعة "كيبك" في كندا تشبه حالة سيطرة إسرائيل على الضفة، ولا تتطلع اسكتلندا للانفصال عن المملكة المتحدة.. ولا.. ولا إلخ! فإلى المسألة الراهنة العالمية، وهي انفصال أو استقلال شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا، لأسباب سياسية واقتصادية وتاريخية ولغوية ودينية وثقافية.. وما هبّ ودبّ من اسباب. أخذ وزير حربية إسرائيل، موشي يعلون، أو "صوت سيّده" نتنياهو من هذه المسألة دليلاً على "رخاوة" أميركا والغرب، كما في المسألة النووية الإيرانية، وانتقال مصر من مرسي إلى السيسي، والعراق.. وأفغانستان إلخ! وخلص إلى القول "إن لم أكن لي، فمن يكون لي"؟! سنقفز حول أزمة أثارتها تفوهاته، عن تفاوت النظرة الاستراتيجية الإسرائيلية عن مصالح السياسة الاستراتيجية الأميركية.. رغم "العلاقة الاستراتيجية" بين البلدين. في العام 2014 استعادت موسكو "هدية" الأوكراني نيكيتا خروتشوف للرفاق في أوكرانيا، هي ضم القرم لروسيا، وتم ذلك باستفتاء وافق فيه 93% من سكان القرم على العودة إلى حضن الرفيق الكبير و"الدب الأكبر" لأسباب قومية ولغوية وتاريخية وسياسية.. إلخ! الطريف في الأمر أن اسم "اوكرانيا" يعني في اللغة الروسية القديمة "البلد الطرف"، والأكثر طرافة حتى السخف، أن الغرب لا يعترف بالاستفتاء، أي لا يعترف بحق الشعوب في تقرير مصيرها. جوهر الأمر، فيما يخص علاقة "قياس" بين القرم وفلسطين، أن استقلال فلسطين يجب أن يمرّ عبر استفتاء شعب الدولة القائمة بالاحتلال، كما استفتاء الأوكرانيين جميعاً حول استقلال القرم وانضمامها إلى روسيا! دولة "التهويشات" السياسية الإسرائيلية حول "قياس" الحالة الأوكرانية على حالة الاحتلال الإسرائيلي للضفة، فإن القرم ليست - شعباً ولغة وتاريخاً- جزءاً من أوكرانيا، التي عليها أن تبارك انفصال القرم الذي يشدّها إلى النفوذ والهيمنة الروسية أو "الاستعمار الروسي" بلغة أميركا وأوروبا. المعنى، كما يقول دمتري شومسكي ("هآرتس" 20 آذار) أن السيطرة على أراضي الغير تعني العبودية الذاتية للقوة المسيطرة، ولو بدت "حرية وهمية"، أي كما أراها ذات علاقة بالوعد الإلهي ووعد بلفور، وقرارات عصبة الأمم .. التي صارت الأمم المتحدة وفي ميثاقها حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحق الشعب الفلسطيني، بالتالي في التحرر من الاحتلال، دون قياسات إسرائيلية أنه لم تكن هناك قط دولة فلسطينية عبر التاريخ، الذي كانت فيه امبراطوريات عابرة للديانات والقوميات.. والقبائل. وكم دولة وشعباً في أميركا الجنوبية وأفريقيا لم تكن دولاً من قبل؟ كان سكان هذه الأرض المقدسة القدماء وثنيين، ثم صار بعضهم يهوداً، ثم عرباً مسيحيين، ثم عرباً مسلمين.. ثم فلسطينيين.. وكانوا قبائل وليسوا "شعوباً" و"ممالك" وليسوا دولاً. لذلك، فالقياس التاريخي (ادعاء بيبي بأربعة آلاف عام) والقياس السياسي من جنوب أفريقيا إلى يوغسلافيا وأوكرانيا تستخدمه إسرائيل بشكل معوج لا علاقة له بالبراهين السياسية الراهنة، وأبرزها حق الشعوب في تقرير المصير وتشكيل دول. هذه "كونفلوميرا" من أشكال القياس اليهودية والصهيونية والإسرائيلية تحت ضغط "قوة الاحتلال" لا حقائق سياسية راهنة، ولا عرقية ولا دينية. على إسرائيل أن تتحرر من الاحتلال أو تغرق هي وقياساتها تحت وطأة الاحتلال. ألا تقول النظرية الصهيونية الأصلية: كل مجموعة من البشر تعتبر نفسها شعباً فهي شعب؟.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوكرانيا وفلسطين القياس والبرهان أوكرانيا وفلسطين القياس والبرهان



GMT 20:50 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

حزب الكراهية

GMT 20:45 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

ماذا لو لم ترد إيران؟

GMT 20:44 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

الحقيقة والخيال فى فوز الزمالك على الأهلى..

GMT 20:38 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

رحلة المائة يوم في شيلي

GMT 05:20 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

في الحنين إلى صدّام

GMT 05:17 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

تذبذب أسعار النفط مع استمرار حروب الشرق الأوسط

GMT 05:14 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

مصر في وسط العاصفة الإقليمية!

GMT 05:12 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

«داعش» في موزمبيق: ضمير غائب في أفريقيا؟!

نوال الزغبي تستعرض أناقتها بإطلالات ساحرة

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 11:27 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

ألوان الطبيعة أبرز اتجاهات الديكور هذا الربيع
  مصر اليوم - ألوان الطبيعة أبرز اتجاهات الديكور هذا الربيع

GMT 08:53 2024 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

القمر في منزل الحب يساعدك على التفاهم مع من تحب

GMT 03:08 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

الجمباز المصري يعلن رفع الإيقاف عن ملك سليم لاعبة المنتخب

GMT 11:19 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على آداب تناول الطعام

GMT 22:15 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

حادث سعيد سبب ابتعاد كندة علوش عن الساحة الفنية

GMT 11:37 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

تعيين الأمير بدر بن عبدالله رئيسًا لمجموعة قنوات "mbc"

GMT 16:36 2021 الأربعاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

"CHANEL" تطلق مجموعة الملابس الجاهزة لربيع وصيف 2022
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon