توقيت القاهرة المحلي 02:35:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عـيـون الأكـاسـيــا ؟

  مصر اليوم -

عـيـون الأكـاسـيــا

حـسـن البطـل

"الشجر العالي كان نساء/ كان لغة" محمود درويش *** المعنى في قلب الشاعر، وما في قلبه على لسانه. المعنى في قارئ الشاعر في عيونه، وما في عيونه على قلمه. شاعر إغريقي عظيم رأى نوار اللوز، فقال: رأيت الله. .. وأنا رأيت نوار اللوز، وشجرة اللوز ميقات (ساعة بيولوجية) تستيقظ فيها من سباتها الشتوي، سواء إن كان الشتاء شحيح المطر أو مدرار المطر. الشاعر رأى ما يرى سواه: الشجرة أنثى، والأنثى طفلة عذراء بكر لا تحمل زهراً لا يعقد الزهر ثمراً، أو امرأة ثيّب تحمل زهراً لا يعقد ثمراً، أو امرأة ولود يعقد زهرها ويطرح ثمراً: سنديانة، مشمشة أو هذه الشجرة المسماة أكاسيا. الأكاسيا شجرة حرجية تعقد زهراً ولا تطرح ثمراً، ونوارها يستيقظ آخر شباط وفي آذار، لكنه يشعّ نوراً أصفر وهّاجاً في نيسان وأيار، كأنه انفجار الأصفر الفاقع. ليس لي شجرة مفضلة: حرجية كانت أو مثمرة. قد أحبّ نوار اللوز الهش كأنه ثوب زفاف، أو نوار التفاح والأجاص.. لكنني أحببت شجرة الأكاسيا لثلاثة أسباب: أنها شجرة حرجية وارفة تصنع فروعها والأفنان فيئاً واسعاً، وهي شجرة متقشفة في حاجتها للماء، فأوراقها مطلية بما يحفظ رطوبتها، وأزهارها (عيونها) الصفراء الفاقعة تجفّ وتذبل محتفظة بهيئتها كأنها حيّة.. وأخيراً، فهي ناءت بأغصانها والأفنان تحت وطأة ثلجة كانون، حتى انبطحت أرضاً وصنعت ما يشبه "الأيكة" أي الشجر الملتف الكثيف. لست خبيراً بنطاقات عيش شجرة الأكاسيا، خلاف نطاق عيش شجرة الزيتون مثلاً، أو السنديان، أو هذه "الأرزة" التي تعشق الطقس الميّال للبرودة، ومن ثمّ لا أعرف إن كانت الأكاسيا أصيلة في النطاق الشجري المتوسطي، أو دخيلة عليه وداجنة فيه. تاجها، جملتها الورقية على أغصانها وأفنانها يشبه تسريحة شعر الإناث الفوضويات، أو شعر الأنثى الإفريقية، أو أسطورة الأنثى "ميدوزا" الشريرة الإغريقية، التي شعرها وكر للأفاعي. بالفعل، ذكرتني "الأكاسيا"، وبخاصة أزرارها الزهرية فاقعة الاصفرار بعيون الأفعى وعيون هذا الحيوان الزاحف صفراء فاقعة، كما هي مقلة عيون الحيوانات الكاسرة كالنمر المفترس. أمرّ في "شارع الأيام" ـ رام الله مرتين يومياً: صباحاً وعصراً، وفي هذا الشارع غرست البلدية ثلاث إناث (قصدي شجرات) معظمها صفصاف أو كينيا، وأربع شجرات لا غير من الأكاسيا. الذي حصل أن معظم شجرات الصفصاف ماتت، أو هي عليلة، ربما لأن التربة لا تناسبها، لكن الشجرات الأربع من "الأكاسيا" المحبة، كما يبدو، لشظف العيش عاشت جميعها، و"نفشت" تاج شعرها. تحت وطأة سجادة سميكة من ثلجة كانون الأول ناءت شجرات الأكاسيا.. حتى انبطحت أرضاً، وصنعت فيئاً واسعاً، بعضه لا يقل قطر محيطه عن عشرة أمتار. لم تتحطم أضلاعها المرنة، لكن ناءت غضاريف عظمها، والشيء المدهش أن نوارتها الصفراء عقدت، وستتفجر بعد أسابيع زهراً أصفر. .. أو أن عمال البلدية سوف يضبطون نموها الشيطاني بالتقليم والتسهيل الجائر... وإلاّ سدّت جانباً من الشارع بما يعيق سواق السيارات عن الرؤية الواضحة. ثلجة كانون حملت مقصاً أو فأساً أو بلطة، وقامت بتشهيل (تقليم) عشوائي خفيف أو جائر، وعمال البلدية قاموا، كما في كل شباط، بعد الثلجة بقص فروع الأشجار الميتة التي انكسرت تحت وطأة الثلج، أو حتى نشروا نصف جذعها وأطاحوا بجملتها الورقية، على أمل أن تنمو جملتها الجذرية وتشب أغصاناً من جديد. صحيح أن شجرة الزيتون هي بعض ما كان يعني الشاعر فهي ولو كانت ليست عالية، تزهر باستحياء ثم يعقد زهرها ثمراً.. لكن ربما على تلال هذه الضفة التي يحمي هذا "النتش" تربتها من الانجراف بماء المطر، يمكن زراعة أشجار حرجية مثمرة (خروب نافع) أو غير مثمرة ثمراً نافعاً (بلوط مثلاً) أو مزهرة بلا ثمر مثل الأكاسيا، وجميعها تصنع ظلاً وافراً، وتجذب زهورها الصفراء الكثيفة إليها نحلاً يصنع شهداً ربما يضارع مذاق شهد تصنعه أسراب النحل من زهور أشجار الكينيا. الأكاسيا ذات عيون شرسة وشهوانية، وإغواء أكثر من عيون النساء اللواتي في طرفها حور. لم أرَ عيون المها.. ورأيت عيون الأكاسيا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عـيـون الأكـاسـيــا عـيـون الأكـاسـيــا



GMT 23:33 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

الجولة السادسة

GMT 23:32 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

ابن حسن الصباح

GMT 23:28 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

فى كتاب الكرة المصرية «فصل كرواتيا»!

GMT 07:55 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

رائحة الديمقراطية!

GMT 07:51 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

نصرة.. ونعمة.. وصدفة

GMT 07:49 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

صراع النجوم.. ومن (يشيل الليلة)!!

GMT 07:46 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

من حكايا دفتر المحبة.. التى لا تسقط (٤)

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

القاهرة - مصر اليوم

GMT 09:41 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

"قطة تركيّة" تخوض مواجهة استثنائية مع 6 كلاب

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

هاشتاج مصر تقود العالم يتصدر تويتر

GMT 12:10 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رفيق علي أحمد ينضم إلى فريق عمل مسلسل "عروس بيروت"

GMT 03:39 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

مادلين طبر تؤكد أن عدم الإنجاب هي أكبر غلطة في حياتها

GMT 18:39 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

التفاصيل الكاملة لحريق شقة الفنانة نادية سلامة.

GMT 05:47 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الجنيه المصري مقابل الدينار الاردني الأحد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon