توقيت القاهرة المحلي 17:39:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اليفثيـريا

  مصر اليوم -

اليفثيـريا

حسن البطل

هي ملكتنا ونحن رعاياها. هي أميرتنا ونحن فرسانها.. أو جميعنا هارون الرشيد وهي دنانير(نا). إنها "اليفثيريا" تتغنج بدلال الغانية، وتتأمر علينا أميرة، وتفيض علينا بنبلها الملكي. للبلد المقسوم بـ "خط أتيلا" عاصمة مقسومة (كانت مقسومة) بسور يقسم قلب عاصمتها نيقوسيا، وقلب نيقوسيا يسمى "ليدرا"، ولـ "ليدرا" الأغريقية ساحتها "اليفثيريا"، ولنا، في حي "أيوس ذيمينوس" (القديس ديمتري) حانة ومطعم ومقهى الست "اليفثيريا". " اليفثيريا" يا سيدي تعني "الحرية"، فلو تحركت لوحة اسماعيل شموط الشهيرة عن الفلسطينية الحرة والعلم، لو رقصت رقص النصر (والنصر باليونانية "نيكي"، ولو حوره الانغلوساكسون إلى "نايكي" وجعلوه علامة صرماية فاخرة).. لو رقصت "اليفثيريا"، بعد قليل من هذا الـ "زفانيا"، لاصطفت راقصات باليه البولشوي وصيفات رقصتها.. وليس لأكثر راقصات الـ "فلامنكو" إباء وشموخاً، أن تهز رأسها كما تفعل "اليفثيريا". امرأة قبرصية يونانية في الأربعين، أو "امرأة في الأربعين تحمل كل مشمشها"، أو امرأة تختصر النساء. فلاحة (لها أصابع يد وراحة يد الفلاحة القوية)، وطاهية للأطباق القبرصية على أصولها، ونادلة لماحة أيضاً.. وأخيراً قاضية محكمة عدل عليا بين رعاياها من الرجال القبارصة (وقت الانتخابات بخاصة)، وقاضية صلح بين رعاياها من المثقفين الفلسطينيين (إبان صخبهم المرير في مرحلة حرب المخيمات بخاصة). .. وجميع رواد حانتها، من قبارصة وفلسطينيين، يغدون هيئة محلفين في الشجار الحزبي الذي ينشب بينها وبين بعلها سوديروس. هي في حزب "ايذيك" الاشتراكي الصغير، وهو، منذ يفاعته، مناضل قديم في حزب "أكيل" الشيوعي القبرصي.. وأما أنصار حزب "ذيسي" اليميني، فالجميع جيش واحد، قبارصة وفلسطينيين، يغيرون على الخندق اليميني. إذا ساعدها واحد منا (من زبائنها الفلسطينيين) في إعداد صحن المقبلات، أو مراقبة المشويات على منقل الفحم، نال منها قبلة أمومية على خده. إذا فاض الشجن بواحد منا (من الفلسطينيين فقط) بعد خبر عائلي حزين من مخيمات بيروت، أخذت رأسه قليلاً إلى صدرها، وملأت كأسه.. وزرعت زهرة في عروة قميصه. بعد بيروت، قال شاعرنا: "كلما آخيتُ عاصمة رمتني بالحقيبة"، غير أن قبرص آختنا نحن وحقائبنا، مزاجنا ومشاكلنا، من يوم وصولنا إلى يوم مغادرتنا.. ونحن آخينا تلك المرأة "اليفثيريا" ومطعمها وحانتها ومقهاها. بْسومة وبْساريا (خبز وسمك). جراسكي وأوزو (مشروبان وطنيان قبرصيان). ياسّو وكالو تاكسيذي (أهلاً ومع السلامة). كاليميرا وكالسبيرا (صباح الخير ومساء الخير).. * * * عن سأم يقولون: "رأينا هذا الفيلم"، غير أنني رأيت "زوربا اليوناني" ثلاث مرات بلا أدنى سأم.. وعشته مرة طويلة، عشر سنوات مديدة، في "حانة اليفثيريا".. و"اليفثيريا" ترقص رقصة زوربا أحسن من أنطوني كوين، والقبارصة اليونانيون في نيقوسيا يعيشون مفارقات حياة إغريقية أكثر غنى من اليونانيين في أثينا. لماذا؟ لأن الإندونيسيين يعيشون حياة إسلامية أكثر من السوريين، والموريتانيين يعيشون حياة عربية أكثر من العراقيين. دائماً في الأطراف تعيش التقاليد القديمة التي تندثر في مركز الحضارات. نحن الخارجين من قلب العالم العربي إلى أطرافه، ومن أطرافه إلى أطراف العالم الإغريقي، وجدنا في اليفثيريا المرأة - اليفثيريا المكان قصة "زوربا الفلسطيني" هذه المرة، وفي حانة اليفثيريا نسجنا حياة فلسطينية - قبرصية، بعد أن نسجنا في بيروت حياة فلسطينية - لبنانية. لبنانيون وفلسطينيون في العمل واللهو والحرب، وفلسطينيون وقبارصة في العمل وفي اللهو.. وفي غياب الحرب، غير أن "اليفثيريا" تختصر النساء مرتين. مرة تختصر نساء العالم، ومرة تختصر حالات الأنثى كلها. في رقصتها الأخيرة، تحية لخروجنا المشرف الوشيك، أو عودتنا من رحلة عوليس الفلسطيني الطويلة، احتزت اليفثيريا زراً من أزرار قميص واحد منا.. وحاكته، فوراً، على فستانها. قالت: سيبقى إلى الأبد. * * * عدت، بعد 12 عاماً، مع ابنتي إلى تلك الجزيرة، إلى تلك العاصمة، إلى تلك الحانة، وجدت قبرص تسبق اليونان، ونيقوسيا تسبق أثينا إلى نمط حياة أوروبية. كان المكان في مكانه. الشجرات السامقات في أماكنها. اليفثيريا لم تكن، ولعل ذلك الزر في فستانها باقٍ في مكانه. نقلاً عن جريدة الأيام

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليفثيـريا اليفثيـريا



GMT 04:56 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

المستفيد الأول إسرائيل لا إيران

GMT 04:15 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الغضب الساطع آتٍ..

GMT 04:13 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

جبر الخواطر.. وطحنها!

GMT 04:11 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

عامٌ يبدو أنه لن يكون الأخير

GMT 04:05 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الدعم المصري السخي

GMT 04:01 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

للعبادة معنى أشمل

GMT 03:57 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

في الهوا سوا

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:49 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
  مصر اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 08:00 2024 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

القمر في منزلك الثامن يدفعك لتحقق مكاسب وفوائد

GMT 11:11 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

قمة "كوكب واحد" تكرس ماكرون رئيسًا لـ"معركة المناخ"

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

دار Blancheur تعلن عن عرض مميز لأزياء المحجبات في لندن

GMT 16:21 2021 الجمعة ,11 حزيران / يونيو

ليفربول يودع جورجينيو فينالدوم برسالة مؤثرة

GMT 10:19 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

3 قلوب ينبض بها عطر "أورا" الجديد من "موغلر"

GMT 09:59 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

مجدي بدران ينصح مرضى حساسية الأنف بعدم الخروج من المنزل

GMT 03:10 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

صناعة الجلود في المغرب أصالة تبقى مع مرور السنوات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon