توقيت القاهرة المحلي 03:53:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عادل بيك!

  مصر اليوم -

عادل بيك

حسن البطل

لبعض البشر وجه حيوان. وجوه بعض النساء كوجوه البسس؛ وبعض الرجال كوجوه النمر.. غير أن وجه عادل (بيك) له وجه النّمر إذا كشّر.. ووجه القط إذا استكان. النمر يكشّر إذا غضب، وأما تكشيرة مدير "مدرسة سيف الدولة الابتدائية الريفية للبنين" فهي أشبه بتكشيرة القرف، خاصة إذا تطاير نثار الطبشور الأبيض عن اللوح الأسود.. عندما يمسحه تلميذ، بأمر من المدير. المدير كبير المعلمين، عادة، لكنه المعلم الأكبر للصف الخامس الابتدائي، وبه كانت تنتهي مرحلة تلمذة وتبدأ مرحلة.. وبه يبدأ عادل (بيك) سباقه القاسي، الشرس، والمحموم مع غريمه مدير "مدرسة غازي الأول للبنين". لا يجوز، في عرف المدير - النمر أن ينجح عدد من تلاميذ المدير الغريم أكثر من عدد تلاميذه في شهادة - الشهادة (السرتفيكا)، وبخاصة في مادة الحساب. لو كان المدير عادل (بيك) من قرية حرستا المجاورة في مكان الجنرال بيني غانتس الإسرائيلي، لكان الصف الخامس هو سرية رئاسة الأركان (سيرييت ميتكال)، أو كتيبة "شيلداغ" أو كتيبة "أغوز".. ولكان الصف الخامس هو "سلاح الجو" في مدرسة سيف الدولة الريفية للبنين، علماً أن "الريفية" تعني مدرسة نصف - زراعية. في الصف الرابع، لم أكن أكره مادة الحساب، وفي الصف الخامس صرتُ أمقتها، لأن معلم المادة هو مدير المدرسة، ولأن عادل بيك مهووس بالتفوق على عسكر مدرسة غازي الأول في هذه المادة بالذات. لماذا؟ لأنها كانت الأصعب قبل إدخال "الرياضيات الحديثة" حتى الى الصف الأول الابتدائي. أهلكنا عادل (بيك) بما يبدو لي، الآن، عويصاً مثل نظرية ألبرت أينشتاين في "النسبية": خزان ماء (كان لدى المدرسة خزان ماء، بئر ماء، ومحرك على بئر الماء.. لأنها مدرسة زراعية).. خزان ماء سعته كذا متراً مكعباً، يصب فيه صنبور قطره كذا، يملأ الخزان في كذا ساعة. في أسفل الخزان صنبور تصريف قطره كذا.. فإذا تدفق صنبورا الصب والتصريف معاً، فبعد كم ساعة يمتلئ الخزان. صارت رؤوسنا هي "خزان" هذه العملية الحسابية، ومع اقتراب النصف الثاني من السنة الدراسية، ألغى عادل (بيك) حصة الرياضة البدنية، ثم ألغى حصة الرسم والأشغال (الورقية الملونة)... وأخيراً، لعن أبانا عندما ألغى حصص مادة الزراعة الأسبوعية الثلاث.. واستبدلها، جميعاً، بحصص حسابية. انقهر معي (معنا) معلم الزراعة أديب النحوي، وكان فلسطينياً - لاجئاً ترشيحاوياً، كما كان معلماً للعربية أيضاً. نكون في حقل المدرسة مشوبين، نعمل مصاطب وأثلاماً بالمسحاة و"الكريك"، أو نشتل الخس، أو نزرع حبات البازيلاء والفول.. فإذا به يقف على درج الطبقة الثانية، مصفقاً بيديه.. صارخاً (كما يصرخ الضابط بعسكره في طابور الصباح) قائلاً: "خامس ع الصف.. خامس على الصف"! ندخل الصف وَسِخين، مغبرّين، عرقانين.. عايفين .. ولكن لا راحة من مكعب ماء هذا المدير ومن صنبوريه. من الصف الأول حتى الرابع، كانت هيبة المدير عادل (بيك) في غرفة مدير المدرسة، أو بالذات، في تلك "النشافة" على طاولته. نشافة لها شكل حز "بطيخ" المتأرجح، لكن صفحة وجهها ملأى بأنواع الأحبار وألوانها، بما يشكّل "لوحة سريالية، ولوحات مرحلة التبقيع". لم أكن أنظر في حضرته الى وجهه خوفاً أو خجلاً (لا يستدعيك المدير إلاّ ليوقع عليك عقوبة تليق بالشيطنة.. وكنت شيطاناً معجّزاً).. فأروح أتأمل نشافته الأنيقة - المتأرجحة، حتى صرتُ عاشقاً (على كبر) للفن السريالي الحديث. أعرف لماذا اعتبرني عادل (بيك) عريف أولاد اللاجئين. كنت "زعيم عصابة النهر" بحكم السن لا غير، فكنت مسؤولاً أمام حضرة المدير حتى عن حمار أو قطيع خراف نهش مساكب الخس. وقعت الواقعة بين المدير وأولاد اللاجئين، عندما اجتاح تراكتور قسماً من أسلاك حقل المدرسة.. وحطم عشرات الأوتاد الحديدية ذات الزاوية القائمة. كان أبي رجلاً "معضّلا"، لم يحتمل "تكشيرة القرف" في وجه المدير، الذي أصرّ على آبائنا شغل سخرة لإصلاح السلك الشائك. قال أبي للمدير: حتى أنا لا أستطيع "لوي" الوتد.. فكيف بالأولاد؟! أمسك مصباح (أبي) بتلابيب المدير.. وكاد يرفعه.. أو كاد يضربه. من يوم تلك الواقعة لم يعد أولاد المدرسة يغنون في باص الرحلات: رحنا ع البحر وجينا ما حدا استرجى يحاكينا .. وعادل بيك حامينا   نقلاً عن جريدة الايام

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عادل بيك عادل بيك



GMT 03:53 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الأهرامات مقبرة «الرابرز»!!

GMT 03:51 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الشعوب «المختارة»

GMT 03:49 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

اللاجئون إلى رواندا عبر بريطانيا

GMT 03:48 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

المقاومة الشعبية والمسلحة

GMT 03:38 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

خطر تحت أقدامنا

GMT 03:35 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

عصر الكبار!

GMT 03:33 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

بشارة يخترع نفسه في (مالمو)

GMT 03:30 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الغواية وصعوبة الرفض!

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 03:33 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش
  مصر اليوم - عمرو يوسف يتحدث عن شِقو يكشف سراً عن كندة علوش

GMT 06:52 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نظام غذائي يقضي على التهاب المفاصل بأطعمة متوافرة

GMT 03:14 2021 الجمعة ,03 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تنتقد التبذير في جهاز العرائس

GMT 14:30 2021 الأحد ,04 إبريل / نيسان

"مايكروسوفت" تؤجل إعادة فتح مكاتبها بالكامل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon