توقيت القاهرة المحلي 09:07:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دم أزرق

  مصر اليوم -

دم أزرق

مصر اليوم

  هل وصل ولع الانسان بالمآكل الغريبة حدّ أن يقدم لك نادل مطعم ما (صيني مثلاً) طبقاً من العقارب والعناكب؟ غير أن كائنا بحرياً، لعله الأعتق في صنف القشريات، قد تؤكل أرجله، برغم انه، شكلاً، بين العنكبوت والعقرب، ولكنه اضخم جسماً من هذا وذاك.. واكثر عراقة من كليهما على هذه الارض: بحرها وبرها وجوّها. الدم أحمر اللون، سواء أكان بارداً أم حاراً: غير ان ذلك الكائن البحري، المسمى "الليمول"، لا يزال هو كما هو .. منذ 350 مليون سنة، سادت خلالها الديناصورات ثم بادت، وارتقى مخلوق سيدعى الانسان، من شيء لم يكن مذكوراً، الى سيد المخلوقات. كائن "الليمول" أقرب الى عقرب او عنكبوت يرتدي تلك القبعة (أو الخوذة) التي ترتديها السلحفاة. انه أحد أكثر الكائنات القشرية محافظة، لأنه يعود الى حقبة جيولوجية كان هواء الارض فيها مزيجا من غاز الميثان (غاز المستنقعات) ومن الآزوت، وليس من الاكسجين والآزوت. لسبب ما، تحب السلالات المالكة الأكثر عراقة، أن تنسب لون دمها الى الازرق لا الى الأحمر. بهذا المعنى، فإن "الليمول" هو امبراطور البحر والبر، دون منازع .. لأنه كائن بدم أزرق. الدم هو الدم، مجرد ناقل للغذاء او الهواء الى خلايا الجسم. قبل مئات الملايين من السنوات كان دم الكائنات أزرق.. لا لسبب، سوى ان قاعدته من معدن النحاس، بينما قاعدة دم المخلوقات المعاصرة من حديد (مزجهما الانسان واخترع البرونز) .. سواء أكانت من ذوات الدم الأحمر "الحار"، أو ذوات الدم الأحمر "البارد". هذا الكائن قبيح الشكل جدا، لأن علم الجمال وضع قواعده الانسان، الذي لا يستطيع خياله ان يتصور كائنا يفوقه جمالا وحسناً. يكفي ان تتابع افلاما خرافية عن كائنات الفضاء السحيق، وستجدها تفوق الانسان علماً. لكن، من المستحيل ان تتفوق عليه في مجالين اثنين: الجمال والحس الاخلاقي، المعبر عنه بـ "الضمير"؟! تشير اشكال المحفوظات الحيوية في الصخور العتيقة، الى ان العقرب يحافظ على شكله منذ خمسين مليون عام، تطور خلالها الحصان من حيوان صغير الى كبير نسبياً، وتطورت اصابع قوائمه الاربع الى حافر، وتفرّع القط خلالها عن النمر. .. لكن، خلال 350 مليون سنة، انفصلت خلالها الصفائح القارية عن بعضها البعض، وسبحت بعيدا في البحار، وتغير تركيب هواء الارض، وتبدلت درجة ملوحة البحر .. ظل "الليمول" هو الليمول. وظل دمه الازرق أزرق. على الرغم من بشاعته، فهو حيوان بحري غير مؤذ، لا اعداء له في البحر الرحيب .. ربما لأن البشاعة قد تغدو أمضى الاسلحة في صراع البقاء. عدوه الوحيد هو الانسان ذو الدم الحار والعقل النير، لان الطيور قد تكتفي بحاجتها من بيوض "الليمول". بين أيار وتموز، وفي ليلة مقمرة دائماً، تمام البدر، تغزو هذه العناكب - العقارب المدرعة الظهر أماكن معينة على سواحل الولايات المتحدة الشرقية، مرتين في السنة، قادمة عبر 5000 كم من القطب الشمالي، لتضع بيوضها في خلجان ضحلة المياه، كما يفعل كثير من الكائنات البحرية، ابرزها سلحفاة البحر الشهيرة. هذا الحيوان، الذي يعود الى ما قبل التاريخ (الحيوي / الجيولوجي، لا الانساني المدوّن) يسمى، ايضاً، لدى العامة "السرطان الازرق"، نظرا لشكله .. وللون دمه خصوصاً. حتى عشرات السنوات المنصرمة، كان يتم اصطيادها وتكويمها على الشواطئ اسابيع طويلة حتى تهمد حركتها .. ومن ثم، تُطحن اجسامها.. وتقدم سمادا الى الارض. في وقت لاحق صارت اجسامها تقطع نصفين وتستخدم طُعماً لاصطياد بعض الكائنات البحرية. حالياً، ومع ارتفاع مطرد في الوعي البيئوي، يتم صيدها بسهولة تامة، ثم تقاد الى المختبرات، حيث يتم "حلبها" بوخزها .. ثم استنزاف معظم دمها الازرق. اكتشفوا ان تفاعلات دمها الازرق تمكّن علماء الادوية من اكتشاف جراثيم معينة في مرحلة مبكرة جدا، اضافة الى فوائد دمها الازرق في علم السموم .. واستطبابات لا حصر لها. وقبل كل شيء معرفة المزيد من آليات التكيف، التي فشلت فيها كائنات عملاقة. من غير الواضح، حتى الآن، ما اذا كانت الحاجة سوف تستدعي، مثلا، استبدال دم انسان مريض بسرطان الدم من دم حار احمر اللون الى دم ازرق. لكن، من المحتمل، يستطيع "الليمول" التكيف مع شروط حياة تنقلب عاليها سافلها، وتؤدي الى انقراض الانسان نفسه، ومعظم الكائنات المعروفة حاليا .. ربما باستثناء حشرات معينة كالعقارب والعناكب، لان تكييف الانسان لشروط طبيعية في كوكبه شيء خلاف حدود ضيقة لتكيفه مع انقلاب الشروط الطبيعية. يحاول الانسان الاحتياط من فنائه البيولوجي الحتمي بإحدى سبيلين: التفتيش عن كواكب في مجاهل الكون ذات شروط كالتي يتمتع بها على الارض؛ او ارسال مركبات فضاء خارج المجموعة الشمسية مزودة رموزا تختزل مكان الارض في الكون، وانجازات الانسان منذ اكتشافه النار الى اكتشافه الطاقة الذرية. اما هذا "الليمول" فسيظل ملك الحياة البحرية متمتعا بدمه الازرق.. بينما ستختفي بقية "الملوك" من البر ومن البحر.  

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دم أزرق دم أزرق



GMT 03:13 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

تواصل جاهلي

GMT 03:10 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

«عاشوراء» إيرانية في سماء إسرائيل

GMT 03:04 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

الحلّاق الإيراني ورقبة السلطان

GMT 02:57 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

هل تمنع أميركا حرباً إقليمية؟

GMT 02:54 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل ونهاية اللعبة الخطرة

GMT 02:52 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

مَن صاحب هوية القاهرة البصرية؟

GMT 02:47 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

كتاب لم يتم

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:31 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

آندي روبرتسون يخوض لقائه الـ150 مع ليفربول أمام نيوكاسل

GMT 06:47 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد نهاية الجولة الـ 13

GMT 02:10 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

7 أسباب تؤدي لجفاف البشرة أبرزهم الطقس والتقدم في العمر

GMT 22:29 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

أحمد موسى يعلق على خروج الزمالك من كأس مصر

GMT 11:02 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أعراض التهاب الحلق وأسباب الخلط بينه وبين كورونا

GMT 03:10 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

زيادة في الطلب على العقارات بالمناطق الساحلية المصرية

GMT 22:14 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

بورصة بيروت تغلق التعاملات على انخفاض
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon