توقيت القاهرة المحلي 06:40:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صيحته الأخيرة: لن يغفر الله لنا

  مصر اليوم -

صيحته الأخيرة لن يغفر الله لنا

سليمان جودة

لم أصدق أذنى حين أخبرنى الدكتور أحمد الغندور أن السياسى النبيل منصور حسن قد فارق الحياة، فقبلها بساعات معدودة كان الرجل معى على التليفون، وكانت عباراته، خلال المكالمة، لاتزال ترن فى سمعى! ولابد أن خسارتى الفادحة فى رحيله خسارتان، فقد خسرته كمواطن، كنت أرى فيه، شأنى شأن أى مصرى آخر، ركناً سياسياً مهماً فى البلد، وكان وجوده فى حد ذاته، من هذه الزاوية، يرسخ شعوراً فى أعماق كل مصرى، بنوع من الونس. ولماذا لا؟!.. لقد كان إيمانه بمصر فوق كل إيمان، بعد يقينه فى الله سبحانه وتعالى، وكان إقدامه على ترشيح نفسه فى انتخابات الرئاسة الماضية تعبيراً صادقاً عن عمق هذا الإيمان لديه، لولا أن «عيال» السياسة قد تآمروا عليه، وأخرجوه من ساحة المنافسة، التى كان قد اقتحمها وهو على قناعة تامة بأن مصر تستحق أفضل مما هى عليه الآن، وأن أبناءها يستأهلون حياة مختلفة عن هذا البؤس الذى يعيشون فيه، وعن هذه التعاسة التى تحاصرهم من كل اتجاه. خسارتى الأخرى فيه أن الرجل كان بمثابة قارئى الأول، وكنت إذا جئت لأكتب، كل يوم، أكاد أتخيله وهو يتطلع، من بعيد، لما أكتبه، وكنت أسائل نفسى دوماً، فى لحظة الكتابة، عما إذا كان هو سوف يرضى عن الجديد عندى، أو أنه سوف يغضب ويسخط.. كنت إذا لمحت رقم هاتفه على موبايلى، فإن قلبى يدق خشية أن أكون، فيما كتبت وقرأ هو، قد انحرفت عن اتجاه البوصلة الوطنية الدقيقة عنده، وكان، فى كل مرة، يبدى ملاحظة هنا، وأخرى هناك، أو يضيف شيئاً يرى أنى لم ألتفت إليه، وفى كل الأحوال، كان لطيفاً، ودوداً، ذا بصيرة نافذة فيما يقول! الكاتب، أى كاتب، إذا كان بلا قارئ فهو يخاطب نفسه فى النهاية، حتى ولو كانت كلماته من الجواهر، وحين يكون القارئ فى وزن، وحجم، ومقام منصور حسن، فلابد أنى كنت محظوظاً للغاية! وكنت، صباح الجمعة الماضى، قد كتبت عن الرئيس السابق حسنى مبارك، وكيف أن صمت الجميع على ما يتعرض له الآن، وهو فى هذه السن، يدل على أن المروءة تعانى شحاً بيِّناً، وأن النخوة نفدت من الأسواق، وأن الرجولة صارت عزيزة المنال فى البلد، وأن الإنسانية لملمت أوراقها ورحلت من عندنا، وأن الرحمة قد نزعها الله من قلوب الذين يحكمون.. كنت أقول هذا، مؤكداً أنه لا شىء لى أرجوه عند الرئيس السابق، اليوم، ولا كان لى عنده شىء رجوته بالأمس، ومع ذلك فإن أى إنسان يتابع «حلقات التعذيب» التى يتعرض لها فى محبسه وهو يسقط فى حمام سجنه ثم يقوم، ويسقط، ثم يقوم، لابد أن ينعى الأخلاق العامة فى هذا البلد! يومها جاءنى صوت الراحل النبيل، فى السادسة مساء، وهو يثنى على ما قلت، ويصفه بأنه «هايل»، ويكررها ثلاثاً، ثم يضيف عبارته التى لن تفارق عقلى: لن يغفر الله لنا.. لن يغفر الله لنا.. لن يغفر الله لنا ما نفعله بهذا الرجل المريض، ولا بهذا البلد العريق! ولمن لا يعرف.. فقد كان منصور حسن هو بديل حسنى مبارك فى حكم مصر، وكان، فى وقت من الأوقات، هو السياسى الشاب المدلل عند السادات، وكاد السادات العظيم، يوماً، يضعه نائباً لرئيس الجمهورية، ويومها خرجت مجلة «الحوادث» اللبنانية بينما صورة منصور حسن على غلافها بالكامل، وتحت الصورة هذه العبارة بالخط العريض «الرجل القادم فى مصر»! وعندما تولى «مبارك» الحكم، أقصاه طوال 30 عاماً، عن أى موقع أو منصب، وكانت لدى الرئيس السابق حساسية شديدة تجاه كل كلمة، بل كل حرف، ينطق به منصور حسن، إلى الدرجة التى نبه «مبارك» ذات صباح، على الوزير السابق محمد منصور بأنه إذا لم يتوقف «حماه» منصور حسن عن انتقاد نظام الحكم فسوف يجرى اعتقاله!!.. وعندما أجرت منى الشاذلى لقاء مع منصور حسن، على قناة «دريم»، التى يهاجمها الإخوان اليوم، فإن اللقاء أقام الدنيا، ولم يقعدها، لأنه كان قد وجه خلاله ضربات قاسية إلى الحزب الوطنى الحاكم وقتها، ووصل الأمر، فى ذلك الوقت، إلى حد تدخل الرئاسة لمنع إعادة الحلقة، بعد أن كان قد جرى الإعلان عن إعادتها على القناة! حدث هذا كله من «مبارك» تجاه منصور حسن، ومع ذلك، فإن نبل الراحل الكبير جعله يقفز فوق كل ما مضى، ويترفع عنه ليطلق صيحته وهو يرى ما يحدث للرئيس السابق، وللبلد، ويقول: لن يغفر الله لنا.. ويكررها ثلاث مرات.. ثم يموت.. فيا لها من شهادة أخيرة من نبيل قرر الرحيل! نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صيحته الأخيرة لن يغفر الله لنا صيحته الأخيرة لن يغفر الله لنا



GMT 03:13 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

تواصل جاهلي

GMT 03:10 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

«عاشوراء» إيرانية في سماء إسرائيل

GMT 03:04 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

الحلّاق الإيراني ورقبة السلطان

GMT 02:57 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

هل تمنع أميركا حرباً إقليمية؟

GMT 02:54 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل ونهاية اللعبة الخطرة

GMT 02:52 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

مَن صاحب هوية القاهرة البصرية؟

GMT 02:47 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

كتاب لم يتم

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:31 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

آندي روبرتسون يخوض لقائه الـ150 مع ليفربول أمام نيوكاسل

GMT 06:47 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد نهاية الجولة الـ 13

GMT 02:10 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

7 أسباب تؤدي لجفاف البشرة أبرزهم الطقس والتقدم في العمر

GMT 22:29 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

أحمد موسى يعلق على خروج الزمالك من كأس مصر

GMT 11:02 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أعراض التهاب الحلق وأسباب الخلط بينه وبين كورونا

GMT 03:10 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

زيادة في الطلب على العقارات بالمناطق الساحلية المصرية

GMT 22:14 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

بورصة بيروت تغلق التعاملات على انخفاض
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon