توقيت القاهرة المحلي 13:52:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ننتظر معجزة من السماء

  مصر اليوم -

ننتظر معجزة من السماء

فهمي هويدي

التصريحات التى أدلى بها رئيس الوزراء المصرى الجديد ينبغى أن نستقبلها باعتبارها أمنيات وليست برنامجا أو أولويات للحكومة. حتى أزعم أنها تعبر عن حسن النية بأكثر مما تعبر عن حسن التدبير، وذلك تقدير لا ينتقص بأى حال من قدر المهندس إبراهيم محلب ولكنه ينبنى على إدراك لمدى ثقل وجسامة المسئوليات والتحديات التى تنتظره. فى هذا الصدد أزعم أن العنوان الرئيسى لجريدة الأهرام أمس (الأربعاء 26/2) كان مبالغا إلى حد كبير حين نسب إلى الرجل قوله أن أولويات الحكومة تتمثل فى عودة الأمن وجذب الاستثمارات وحل مشاكل العمال ونسف البيروقراطية. وأضاف النص المنشور تحت العنوان إلى القائمة ملف العدالة الاجتماعية. ولا اعرف كيف يمكن له ان يحارب على كل تلك الجبهات العريضة والمهمة خلال الأشهر القليلة القادمة، التى يفترض ان تجرى خلالها الانتخابات الرئاسية، وليس معروفا ما إذا كان الرئيس «الجديد» سيشكل وزارة جديدة لكى تنفذ برنامجه، أم أنه سينتظر إجراء الانتخابات التشريعية التى ستحدد نتائجها شكل الحكومة. أيا كان الأمر فالذى لاشك فيه ان الحمل الذى تحدث عنه المهندس محلب لا يفوق طاقته فحسب، وإنما يفوق طاقة أى رئيس حكومة آخر مهما بلغت كفاءته. ولو أن رئيس الجمهورية الجديد حقق بعض تلك الأهداف خلال سنوات حكمه، سواء كانت فترة واحدة أم فترتين، لكان ذلك انجازا عظيما به يحتل مقعده فى تاريخ البلاد. بسبب من ذلك فقد تمنيت ان يتمهل رئيس الوزراء فى إطلاق التصريحات، وان يكتفى بالإشارة إلى حاجته إلى بعض الوقت لدراسة الموقف وتحديد أولويات برنامجه. اسمع الكثير عن هِمَّة الرجل وحيويته وحماسه، الأمر الذى يجعلنا نحسن الظن به، لكننى أفرق بين الرغبات التى يطلق العنان فيها للخيال والأمنيات، وبين الامكانيات المحكومة ليس فقط بالعناصر المتوافرة على أرض الواقع، ولكن أيضا بحدود الحركة المتاحة. إذ أزعم أن هامش حركته محدود للغاية على نحو يكاد يكبِّل مسيرته ولا يسمح له بتحقيق الانجاز الذى ينشده، ولا أتحدث عنا عن العناوين والملفات التى أشار إليها فى مؤتمره الصحفى، ولكننى أتحدث عن أى عنوان واحد منها، لا أريد أن أكون مثبطا أو داعيا إلى إطفاء فوانيس الفرح كما يقال لكننى أحاول قراءة الواقع من خلال القرائن والشواهد المتاحة. فى هذا الصدد أرجو أن نتفق على عدة أمور بشأن فرصة الانجاز المنشودة، إضافة إلى ما سبق أن ذكرته عن محدودية عمر الوزارة، من ذلك مثلا ان المهندس محلب تم اختياره باعتباره من التكنوقراط، وبالتالى فلا شأن له بالقرار السياسى، الأمر الذى سيفرض عليه إما ان يتحرك بعيدا عن السياسة، أو أن يلتزم بسياسات رسمتها جهات أخرى هو ليس طرفا فيها. من ذلك أيضا انه قَبِل بأن يترأس وزارة وهو يعلم أنه ليس أقوى رجل فيها، ولكن هناك من هو أقوى منه وأكثر قدرة على التأثير فى القرار. من ذلك كذلك أن ثمة مراكز قوى أهم من الوزارة فى البلد، ولعلى لا أتجاوز كثيرا إذا قلت إن ثمة وزارة فوق الوزارة. الأولى تحكم وترسم السياسات والثانية تدير وتنفذ السياسات. يسلط الضوء على ذلك العنصر الأخير ما ذكره الفريق (آنذاك) عبدالفتاح السيسى فى بيان القوات المسلحة الصادر فى 3 يوليو الماضى، الذى أعلن فيه «خارطة الطريق» وعزل الدكتور محمد مرسى من منصبه، إذ تحدث فى بنده الرابع عن قيام القوات المسلحة بإعداد «تقدير موقف استراتيجى على المستوى الداخلى والخارجى، تضمن أهم التحديات والمخاطر التى تواجه الوطن على المستوى الأمنى والاقتصادى والسياسى والاجتماعى». وفى فقرة سابقة من البيان المذكور تحدث الفريق السيسى عن «الرؤية الثاقبة» للقوات المسلحة، منوها إلى أن الشعب يدعوها إلى نصرته، لا لسلطة أو حكم، وإنما يدعوها للخدمة العامة والحماية الضرورية لمطالب الثورة. هذا البيان كان بمثابة إعلان عن انتقال القوات المسلحة من قوة تدافع عن حدود الوطن، إلى طرف فى اللعبة السياسية له رؤيته الاستراتيجية لكافة التحديات الخارجية والداخلية باختلاف مجالاتها. وهى الرؤية التى دفعتها إلى الانخراط فى الشأن السياسى، ابتداء من عزل الدكتور مرسى وانتهاء بترشيح المشير السيسى رئيسا للجمهورية. لا استطيع ان اقتنع بأن القيادة العامة للقوات المسلحة طوت أوراقها وتخلت عن رؤاها الاستراتيجية لتحديات الداخل والخارج بعدما صارت فى صدارة المشهد السياسى. لكن القرائن التى بين أيدينا تشير إلى أن تلك الرؤى هى التى توجه السياسات الآن فى الداخل والخارج. وذلك أوضح ما يكون فى هيمنة الحلول الأمنية والاستبعاد المستمر للحلول السياسية فى التعامل مع مختلف التحديات. تبدو المسألة أكثر تعقيدا إذا نظرنا إلى مشكلتى الاقتصاد والأمن، لأن التداخل بينهما شديد للغاية، حيث لا يتصور أحد أن تدور عجلة الاقتصاد دون أن يستقر الأمن، وقد اقنعتنا خبرة الأشهر الثمانية الماضية بأن المؤسسة الأمنية عاجزة عن ان تستجلب الاستقرار الذى يطلق عجلة الاقتصاد. وان السياسة هى الرافعة الحقيقية لحل المشكلة الأمنية، وفى غيبتها ستظل العقدة بغير حل. وحين يحاول رئيس للوزراء حل المشكلة الاقتصادية ويده مغلولة فى الشأن السياسى، فإنه لن يستطيع أن يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، وسيكون بحاجة إلى معجزة تتنزل من السماء لكى ينجز شيئا على ذلك الصعيد، ولا أعرف ان كان دعاؤنا له سيفيده فى هذه الحالة أم لا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ننتظر معجزة من السماء ننتظر معجزة من السماء



GMT 07:55 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

رائحة الديمقراطية!

GMT 07:51 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

نصرة.. ونعمة.. وصدفة

GMT 07:49 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

صراع النجوم.. ومن (يشيل الليلة)!!

GMT 07:46 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

من حكايا دفتر المحبة.. التى لا تسقط (٤)

GMT 07:42 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

الصفحات الصفراء

GMT 03:54 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

عاربون مستعربون: لورانس العرب والصحراء

GMT 03:51 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

هل من أمل في مفاوضات سودانية؟

GMT 03:47 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

سلِّموا السلاح يَسلم الجنوب!

الملكة رانيا بإطلالات شرقية ساحرة تناسب شهر رمضان

عمان ـ مصر اليوم

GMT 16:39 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

تعرف على أفضل انواع "الأرضيات الصلبة" في الديكور المنزلي

GMT 04:37 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

نادين نجيم تتألق في حفلة Bulgari Festa في دبي

GMT 14:32 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

الآثار تصدر الجزء الأول من سلسلة الكتب عن مقابر وادي الملكات

GMT 10:34 2017 الأحد ,23 إبريل / نيسان

نيرمين الفقي تنشر صورة جريئة تكشف عن مفاتنها

GMT 15:16 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يرتدي الزي الجديد في تصفيات أمم أفريقيا

GMT 08:14 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيندي" تغزو عالم التزلج على الجليد بمجموعة فريدة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon