توقيت القاهرة المحلي 04:42:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هرمنا المقلوب!

  مصر اليوم -

هرمنا المقلوب

فهمي هويدي

إذا أردت أن تتعرف على المدى الذى بلغه الهوس الأمنى فى مصر، وكيف أنه قلب أولوياتنا رأسا على عقب، فقارن بين انشغال المصريين بأكذوبة مؤامرة «أبلة فاهيتا» وبين متابعتهم لكارثة تسمم أهالى الدلتا بسبب تلوث مياه الشرب. القصة الأولى لابد أنك تابعتها، خصوصا ان أصداءها تجاوزت الحدود وأثارت سخرية ودهشة كثيرين فى العالم الخارجى. أما الثانية فأغلب الظن أنك نسيتها لانها اختفت من وسائل الإعلام ولم يعد أحد يأتى لها على ذكر، وخلاصتها كالتالى: فى شهر نوفمبر من العام الماضى نشرت الصحف المصرية أخبارا مفادها أن مستشفى الزقازيق العام استقبل عشرات المصابين من قرية الزهراء محافظة الشرقية (تسعون شخصا تقريبا) بعد إصابتهم بأعراض تسمم غذائى لم تعرف أسبابه على وجه التأكيد، إلا أنها تراوحت بين مصدرين هما: تلوث مياه الشرب بالقرية أو تناولهم وجبة عشاء فى حفل زفاف أقيم بها. وقد اهتم رئيس الوزراء حينذاك بالأمر، وظل على اتصال مستمر مع وزيرى الصحة والإسكان ومحافظ الشرقية لمتابعة أحوال المصابين وتوفير الرعاية اللازمة لهم. فى الوقت ذاته أجرت نيابة الزقازيق تحقيقاتها وأوفدت من بين أعضائها من استمع إلى أقوال المصابين، وتم أخذ عينات من متحصلات القىء وعمليات غسيل المعدة التى جرت لهم لإرسالها إلى المعامل المركزية بوزارة الصحة، كما تم استعجال نتائج تحليل عينات المياه بالمعامل المركزية وشركة المياه لفحصها والوقوف على سبب التسمم. أضافت التقارير التى نشرت آنذاك أن المصابين وذويهم أكدوا أن إصابتهم سببها تلوث مياه الشرب جراء اختلاطها مع مياه الصرف الصحى، فى حين أن التحاليل والأوراق الرسمية ذكرت أن مياه المحافظة سليمة ومطابقة للمواصفات القياسية لمياه الشرب. أثار الانتباه فى التقارير المنشورة ان بعض المصابين الذين أخذت أقوالهم ذكروا أنهم لم يكونوا من بين الذين تناولوا العشاء فى العرس الذى حاولت أجهزة الإدارة اتهامه بالمسئولية عن التسمم. ومما رجح الشك فى تسمم مياه الشرب. أن محافظ الشرقية أعلن أنه تقرر إنشاء محطة لمعالجة مياه الشرب بالقرية وجيرانها بتكلفة قدرت بستين مليون جنيه، بتمويل من الاتحاد الأوروبى والبنك الدولى. وقال ان المحطة المذكورة ستقام على مساحة خمسة أفدنة، وسيتم البدء فى انشائها خلال الأسابيع القادمة (جريدة الأهرام عدد 10 نوفمبر). التقرير الذى نشره الأهرام يومذاك وأعده ثلاثة من المحررين زاروا القرية، ذكر أن الأهالى أكدوا أن التسمم الذى تكرر عدة مرات من قبل راجع إلى سوء حالة خط ومواسير المياه، الأمر الذى أدى إلى اختلاطها بالصرف الصحى. ونقل المحررون عن الأهالى تساؤلهم قائلين إنه إذا لم تكن المياه سبب التسمم، فلماذا هرع المسئولون لتطهير الشبكة فى منتصف الليل، قبل سحب العينات المرسلة إلى المعامل المركزية. وهو الإجراء الذى ما كان له أن يتم لولا إدراكهم أن المياه هى المشكلة؟. حين حاولت متابعة الموضوع وأجريت اتصالا بمن اعرف فى الزقازيق، تلقيت المعلومات التالية: لم ينفذ وعد المحافظ بالبدء فى إنشاء محطة معالجة مياه الشرب، رغم مضى خمسة أسابيع على إعلانه، لانه ربط التنفيذ بتوفير الأفدنة الخمسة المطلوبة التى يتعين أن يتبرع بها الأهالى لهذا الغرض، ولانهم من ذوى الملكيات الصغيرة فلم يتبرع أحد، وتم تجميد المشروع ــ لم تتوقف حالات التسمم التى لم تكن مقصورة على قرية الزهراء وإنما ظهرت أيضا فى قرية بردين المجاورة ولكن وسائل الإعلام لم تشر إليها إزاء يأس الناس من حل الإشكال فقد لجأ كثيرون منهم إلى الحلول الذاتية ومنها إنشاء بيارات خاصة تحل مشكلة الصرف الصحى، وهذه يتم نزحها بين حين وآخر. من ناحية أخرى، قال لى الدكتور أحمد شقير مدير مركز أمراض الكلى والمسالك البولية بالمنصورة ان اتفاقا تم مع 3 جامعات ألمانية لإجراء مسح يستهدف التحقق من مدى إسهام مياه الشرب فى انتشار بعض الأمراض فى مصر، خصوصا فى الدلتا، وسرطانات المثانة فى المقدمة منها. ذلك ان الإحصاءات دلت على ان مصر تحتل المرتبة السابعة فى العالم بالنسبة للإصابة بذلك النوع من السرطانات. فى حين تحتل المرتبة الأولى فى معدل الوفيات جراء الإصابة بها. ومما قاله الدكتور شقير إن تلوث مياه الشرب أوضح فى الدلتا بسبب كثرة المصانع المقامة عليها بالمقارنة بالصعيد، وان نفايات تلك المصانع إضافة إلى المبيدات الحشرية لها دورها فى إحداث التلوث، جنبا إلى جنب مع مياه الصرف الصحى، ومما ذكره أن الصرف الصحى الذى يدمر حياة كثيرين فى الدلتا جراء اختلاطه بمياه الشرب، أصبح يعالج بتقنية عالية فى ألمانيا حولته إلى مصدر مهم للطاقة، حتى ان مدينة هامبورج باتت تعتمد بشكل كامل على تلك الطاقة فى تسيير القطارات والمترو، بل ان علماءهم نجحوا فى تحويل مخلفات المجارى إلى مياه صالحة للشرب تصب فى الانهار. لا أريد أن استرسل فى وصف القفزات الهائلة التى حققها العلماء فى معالجتهم لموضوع الصرف الصحى، التى تصيب المرء بالذهول والدوار، لاننا نتطلع إلى ما دون ذلك بكثير. إذ صرنا نتمنى مجرد فتح الملف لإنقاذ ملايين المواطنين من التعاسة التى تترتب على استمرار تجاهله مع غيره من الأمور الحياتية الأساسية. وهى التى تراجع الاهتمام بها فى ظل استغراق الجميع فى الصراع السياسى وانشغالهم بأمن النظام عن أمن المجتمع وهموم أهله. بل تدهور حالنا حتى صرنا نرجو أن نولى موضوع التسمم اهتماما موازيا لاهتمامنا بمؤامرة «أبلة فاهيتا». نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هرمنا المقلوب هرمنا المقلوب



GMT 03:13 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

تواصل جاهلي

GMT 03:10 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

«عاشوراء» إيرانية في سماء إسرائيل

GMT 03:04 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

الحلّاق الإيراني ورقبة السلطان

GMT 02:57 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

هل تمنع أميركا حرباً إقليمية؟

GMT 02:54 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل ونهاية اللعبة الخطرة

GMT 02:52 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

مَن صاحب هوية القاهرة البصرية؟

GMT 02:47 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

كتاب لم يتم

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:31 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

آندي روبرتسون يخوض لقائه الـ150 مع ليفربول أمام نيوكاسل

GMT 06:47 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد نهاية الجولة الـ 13

GMT 02:10 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

7 أسباب تؤدي لجفاف البشرة أبرزهم الطقس والتقدم في العمر

GMT 22:29 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

أحمد موسى يعلق على خروج الزمالك من كأس مصر

GMT 11:02 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أعراض التهاب الحلق وأسباب الخلط بينه وبين كورونا

GMT 03:10 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

زيادة في الطلب على العقارات بالمناطق الساحلية المصرية

GMT 22:14 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

بورصة بيروت تغلق التعاملات على انخفاض
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon