توقيت القاهرة المحلي 08:46:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تاريخان للأزمة

  مصر اليوم -

تاريخان للأزمة

فهمي هويدي

حين اجتمعت لجنة تقصى حقائق أحداث ما بعد 30 يونيو بالقاهرة يوم السبت الماضى (4/1) كان بعض النشطاء الحقوقيين يعقدون فى الوقت نفسه مؤتمرا لهم بمقر نقابة الصحفيين حول «أذرع الظلم» فى ظل المرحلة ذاتها. لجنة تقصى الحقائق آثرت أن تبدأ عملها بالتصدى لملف إحراق بعض الكنائس، بعدما عدلت من برنامجها الذى سبق إعلانه وذكرت فيه أنها ستنظر فى عشرة ملفات أولها ما خص مذبحة الحرس الجمهورى. لكن يبدو أن الملفات المتعلقة بموضوع الإخوان وحلفائهم تقرر تأجيلها لاعتبارات تتعلق بالملاءمات السياسية، وهو ما لا يقلل من شأن ملف حرق بعض الكنائس بطبيعة الحال، الذى لا يقل أهمية عن الملفات الأخرى. لأن اللجنة المذكورة حكومية ومشكلة بقرار جمهورى فإنها شغلت بالإجراءات. فى حين أن مؤتمر الحقوقيين تجاوزها بكثير لأن المتحدثين لهم خبراتهم الطويلة التى مكنتهم من رصد العديد من الانتهاكات فى مرحلة ما بعد 30 يونيو، وفى حين أن اللجنة كانت تتحسس مهمتها وتطرح الأسئلة بحذر ملحوظ، فإن مؤتمر الحقوقيين قدم التشخيص والأجوبة، إذ انطلق من أن ثمة ظلما واقعا بحق المجتمع خلال تلك المرحلة. وربما لهذا السبب فإن أغلب الصحف التى صدرت صباح الأحد تجاهلت المؤتمر فى الوقت الذى أبرزت فيه خبر اجتماع اللجنة الحكومية على صفحاتها الأولى. الأمر الذى لم يخل من مفارقة، لأن مؤتمر الحقوقيين لامس الحقائق كما هى، فى حين أن لجنة التقصى، لا يتوقع منها سوى ان تصور الحقائق كما أرادتها السلطة والأجهزة الأمنية. كما سنرى بعد قليل. فى هذا الصدد أزعم أن ما قيل فى مؤتمر الحقوقيين أهم بكثير مما جرى فى اجتماع اللجنة. أخص بالذكر شهادتين لاثنين من النشطاء، الأولى للأستاذ أحمد سيف الإسلام عبدالفتاح ـ وهو محام ـ وأحد مؤسسى مركز هشام مبارك لحقوق الإنسان، والثانية للدكتورة عايدة سيف الدولة مديرة مركز النديم. الملمح الرئيسى فى شهادة الأستاذ سيف الإسلام تمثل فى استعراض مواقف القضاء والنيابة إزاء النشطاء، التى وصفها بأنها كارثية وتبعث على التشاؤم بالمستقبل إذا ما استمرت على صورتها الراهنة، وفى حين اعتبر الحكم الذى صدر بحق فتيات الإسكندرية «عارا فى جبين قضاة المرحلة»، حتى بعد تخفيفه، فإنه انتقد بشدة الإهدار المستمر لقواعد القانون ونصوصه فى تصريحات بعض كبار المسئولين فى الهيئة القضائية، وأبدى دهشة إزاء تصريح وزير العدالة الانتقالية المستشار أمين المهدى الذى اعتبر فيه أن مجرد صدور قرار بإحالة بعض الإخوان إلى محكمة الجنايات مبررا لإعلان الجماعة منظمة إرهابية، لأن الإحالة لا تعد دليل إدانة وإنما يظل المتهم بريئا حتى يصدر حكم نهائى بإدانته، واستشهد بتصريحات أخرى نشرتها الصحف منسوبة إلى قضاة خالفوا فيها صحيح القانون وتلاعبوا بنصوصه. كما تحدث عن التحقيقات التى تجرى مع الناشطين والتى تفتقد إلى أبسط ضمانات العدالة، خصوصا حين تتم فى مقار الأجهزة الأمنية وتحت رقابة رجالها. الدكتورة عايدة سيف الدولة تحدثت عن تجاوزات الشرطة وتدخلاتها ليس فقط من خلال ما تمارسه من ضغوط على القضاة والمحققين، وإنما أيضا من خلال تلاعبها فى الأدلة وقمعها للنشطاء الذى لم يتوقف طيلة السنوات الثلاث الأخيرة. وأضافت أن ذراع الداخلية وصلت إلى المستشفيات حيث أصبح الإهمال الطبى إحدى أدوات القمع. قالت أيضا إنه منذ إعلان جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية أصبح إطلاق النار على المتظاهرين حدثا يوميا تستخدم فيه القوة المفرطة. واستشهدت بأنه فى اليوم السابق على عقد المؤتمر الجمعة 3/1 تم قتل 17مواطنا من المتظاهرين بشهادة وزارة الصحة. وبسبب استمرار حلقات العنف المفرط فإنه تم قتل 2260 شخصا منذ بداية يوليو الماضى (2013) وحتى نهاية شهر ديسمبر. لذلك اعتبرت أن عنف الداخلية أصبح زائدا على الحد، ويتعين إيقافه قبل فوات الأوان. الصورة القاتمة التى قدمها الحقوقيون (14 منظمة اشتركت فى المؤتمر) تمثل تحديا للجنة تقصى الحقائق، لسبب جوهرى هو أن الحقوقيين المستقلين سيقدمون الصورة كما هى بغير تخفيف، بالتالى فإنهم سوف يسلطون الضوء على ما هو مسكوت عليه من جانب اللجنة الحكومية، خصوصا ان بيانات وزارة الداخلية حسمت أهم الوقائع التى يفترض ان تتحرى اللجنة حقائقها (مذبحة الحرس الجمهورى وفض اعتصام رابعة وميدان النهضة مثلا). إزاء ذلك فإن البيانات سوف تحدد سقف اللجنة الذى لن تستطيع تجاوزه. فى هذا الصدد فإننا لن نستطيع أن ننسى خبرتنا السابقة مع تقصى حقائق مرحلة ما بعد الثورة، الذى باشرته لجنتان تولى رئاستهما اثنان من أعلام القضاء والقانون فى مصر (هما المستشار عادل قورة الذى كان رئيسا لمحكمة النقض والمستشار محمد عزت شرباص رئيس الاستئناف الأسبق) وقد غطى الأول مرحلة الثورة من 25 يناير إلى 9 فبراير عام 2011، وتقصى الثانى حقائق مرحلة المجلس العسكرى التى تلت ذلك مباشرة. ولأن التقريرين أشارا بأصبع الاتهام صراحة إلى الشرطة والمؤسسة الأمنية فيما وقع من حوادث وانتهاكات فقد تم تجاهلهما بالكامل، فى حين جرى الاعتماد على تقارير الأجهزة الأمنية وشهادة رجالها فى كل القضايا التى نظرت تلك الحوادث. فتمت تبرئة الشرطة وأدين غيرهم. لحظ لجنة تقصى حقائق أحداث ما بعد 30 يونيو أنها تشكلت فى ظروف ازدادت فيها سطوة المؤسسة الأمنية الأمر الذى يجعلنا لا نطمئن إلى نتائج أعمالها، التى أخشى أن تنتهى إلى طمس الحقائق وليس تقصيها. ومن شأن ذلك ان يضعنا أمام صيغتين لتأريخ تلك المرحلة، إحداهما محكومة بسقف المؤسسة الأمنية، والثانية مكتوبة بدماء الضحايا والمعذبين كما أدركها بعض الحقوقيين الشجعان. نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تاريخان للأزمة تاريخان للأزمة



GMT 04:09 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

شكراً إيران

GMT 04:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عودة إلى «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران!

GMT 04:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نيران المنطقة ومحاولة بعث التثوير

GMT 04:00 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

GMT 03:50 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ليبيا وتداول السلطة بين المبعوثين فقط

GMT 03:48 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأردن من أيلول الأسود لليوم

GMT 03:33 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

اكتشافات أثرية تحت المياه بالسعودية

GMT 03:21 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«الإبادة» ليست أسمى

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 15:00 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 02:46 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم تشيلسي يرفض دعوة ساوثجيت لوديتي ألمانيا والبرازيل

GMT 03:35 2017 الجمعة ,09 حزيران / يونيو

سهر الصايغ تعرب عن سعادتها بنجاح مسلسل "الزيبق"

GMT 13:23 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

التنورة المحايدة تعطيك المجال الأوسع لإطلالة مختلفة

GMT 12:43 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

سيرين عبد النور تأسر القلوب بجمبسوت أنيق

GMT 00:46 2021 الثلاثاء ,03 آب / أغسطس

الحكومة تنتهي من مناقشة قانون رعاية المسنين

GMT 11:57 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

مالك إنتر ميامي متفائل بتعاقد فريقه مع ميسي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon