توقيت القاهرة المحلي 22:55:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تفويض وتفويض

  مصر اليوم -

تفويض وتفويض

فهمي هويدي

لا أحد يستطيع أن يدافع عن الضربة العسكرية المفترضة التى تستهدف سوريا، حتى إذا كانت عملا شريرا موجها ضد نظام شرير. لكنى مع ذلك لا أستطيع أن أخفى تقديرا وإعجابا بالأسلوب الذى توخاه الرئيس الأمريكى، والتمس فيه «تفويض» ممثلى الشعب ومساندته له فى اتخاذ تلك الخطوة. أدرى أن جاذبية الوسيلة لا ينبغى لها أن تشفع أو تغفر قبح الغاية، لكنك قد تعذرنى إذا لم أستطع أن أكتم إعجابى بالطريقة التى اتبعت للحصول على التفويض، ليس فقط لأن كراهيتك لخصمك لا ينبغى أن تمنعك من تقدير إيجابياته، على الأقل لكى تتعلم منها، ولكن أيضا لأن لنا فى مصر خبرة أخيرة فى مسألة التفويض، ترتب عليها انقلاب الوضع السياسى، نعيش ارتداداته هذه الأيام بصورة أو أخرى. أدرى أن ثمة فروقا وتمايزات فى الحالتين الأمريكية والمصرية، إلا أنهما اتفقتا فى نقطة واحدة، هى أن التفويض فى الحالتين تعلق بأمر مصيرى، الأول فى صلب السياسة الخارجية الأمريكية، والثانى مثل تحولا مهما فى السياسة الداخلية المصرية. وربما قيل إنه من التمايزات أن الذى طلب التفويض فى واشنطن رئيس الدولة، فى حين أن الذى طلب التفويض فى القاهرة نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع. إلا أن ذلك مردود عليه بأن الفريق السيسى حين طلب التفويض فى الخطاب الذى ألقاه أمام خريجى الكلية البحرية لم يكن يتحدث بصفته الوظيفية، وانما بصفته قائد الانقلاب الذى وقع وخطابه كان موجها إلى المجتمع وليس إلى حضور الحفل وحدهم، من الفروق المهمة أن أوباما كان يطلب تفويضا من ممثلى الشعب الأمريكى لتوجيه ضربة عسكرية إلى دولة أخرى، متذرعا بأن ذلك يخدم الأمن القومى لبلاده، فى حين أن التفويض الذى طلبه السيسى أراد الاستناد إليه فى مواجهة أزمة فى الداخل الطرف الآخر فيها يمثل جزءا من الشعب المصرى، نسب إليه التطرف والإرهاب، وهو ما اعتبره بدوره تهديدا للأمن القومى للبلاد. الفرق الآخر والأهم أن أوباما حين طلب التفويض فإنه خاطب المؤسسات المنتخبة التى تمثل الشعب الأمريكى فى حين أن السيسى خاطب الحشود الجماهيرية التى دعاها للخروج إلى الشوارع والميادين. إن شئت فإن الأول خاطب الآلة الديمقراطية فى حين أن الثانى لجأ إلى خطاب مرحلة ما قبل الديمقراطية، من ثم فإن الآلة الديمقراطية أتيح لها أن تمحص الأمر جيدا وتناقش الرئيس ومساعديه، ثم تضع ضوابط للتفويض المفترض، سواء فى أجله أو حدوده أو النتائج المترتبة عليه، فقرأنا مثلا أن لجنة الشئون الخارجية فى مجلس الشيوخ حددت للتفويض مدة 60 يوما فقط، يمكن أن يضاف إليها 30 يوما أخرى إذا طلب الرئيس المد موضحا أسبابه. كما اشترطت ألا تقوم القوات المسلحة الأمريكية بأية أعمال قتالية فى الضربة المفترضة. واشترطت أيضا ضرورة التشاور مع مجلس الشيوخ ولجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب فى شأن التسوية السياسية التى يتوقع ان تتم بعد انتهاء العمليات العسكرية. الخلاصة ان أوباما خاطب مؤسسات بلده التى وضعت حدودا وشروطا للتفويض، ولم تقدم له التفويض على بياض، ثم أخضعت قراره للتصويت بعد ذلك أمام غرفتى الكونجرس لتقرير مصير القرار. وجه المقارنة بين التفويض الذى جرى تمحيصه وإحكام ضوابطه من خلال مؤسسات المجتمع فى الولايات المتحدة، بعد مناقشات واسعة استمرت عشرة أيام، وبين تفويض الفريق السيسى الذى أطلقت الدعوة إليه يوم الأربعاء 24/7 وخرجت الجماهير مستجيبة ومؤيدة له يوم الجمعة (خلال أقل من 48 ساعة). وهو ما عرفنا منه العنوان العريض للتفويض، ولكننا لم نعرف شيئا عن المقصود بالإرهاب المستهدف، ولا عن مضمون التفويض وأدواته وحدوده. الأمر الذى جعله مفتوحا وفضفاضا إلى أبعد مدى. وفى ظله دخلت البلاد فى نفق مجلل بالدم ومشبع بالخوف، ولا يكاد يرى فى نهايته ضوء يذكر. إن شئت فقل إن التفويض فى الحالة الأمريكية مر بآليات الممارسة الديمقراطية التى احترمت رأى الأمة واحتكمت إلى المصالح العليا للمجتمع. أما فى الحالة المصرية فإن التفويض كان تعبيرا عن الشعبوية المنتسبة إلى الديمقراطية ولم تبال بشق صف الأمة، فى حين أنها احتكمت إلى الانفعالات والغرائز. ولا غرابة والأمر كذلك فى أن يعرف الأمريكيون إلى أين هم ذاهبون، أما نحن فى مصر فإننا نسمع السؤال على كل لسان لكننا لا نجد له جوابا. إن المرء وهو يحسدهم على ما هم عليه لا يملك إلا أن يعترف بأن الأشرار لهم فضائلهم أيضا. الأمر الذى يجعلنا نحترم عقلهم بقدر ما نكره فعلهم. نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تفويض وتفويض تفويض وتفويض



GMT 21:26 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي.. آلة الزيف الانتخابي

GMT 21:24 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

فلسطين بين دماء الشهداء وأنصار السلام

GMT 21:06 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الشكلانية والتثعبن

GMT 19:52 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

في حب العمدة صلاح السعدني

GMT 19:50 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

‎فيتو أمريكى ضد الدولة الفلسطينية.. لا جديد

GMT 04:56 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

المستفيد الأول إسرائيل لا إيران

GMT 04:15 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الغضب الساطع آتٍ..

GMT 04:13 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

جبر الخواطر.. وطحنها!

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:00 2024 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

القمر في منزلك الثامن يدفعك لتحقق مكاسب وفوائد

GMT 11:11 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

قمة "كوكب واحد" تكرس ماكرون رئيسًا لـ"معركة المناخ"

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

دار Blancheur تعلن عن عرض مميز لأزياء المحجبات في لندن

GMT 16:21 2021 الجمعة ,11 حزيران / يونيو

ليفربول يودع جورجينيو فينالدوم برسالة مؤثرة

GMT 10:19 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

3 قلوب ينبض بها عطر "أورا" الجديد من "موغلر"

GMT 09:59 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

مجدي بدران ينصح مرضى حساسية الأنف بعدم الخروج من المنزل

GMT 03:10 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

صناعة الجلود في المغرب أصالة تبقى مع مرور السنوات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon