توقيت القاهرة المحلي 13:52:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مجرم سياسى وليس جنائيًا

  مصر اليوم -

مجرم سياسى وليس جنائيًا

فهمي هويدي

حين يطالع المرء خبر إخلاء سبيل الرئيس السابق فلا يعرف بالضبط ما إذا كان عليه أن يبكى أم يضحك. إذ لا بد أن يصاب بصدمة حين يجد أن الرجل الذى ثارت عليه الجماهير حتى أسقطته تقرر إطلاق سراحه بعد عامين من الثورة. فى ذات الوقت فإن المرء لا يستطيع أن يمنع نفسه من الضحك حين يجد أن الرجل احتجز لأسباب تتعلق بذمته المالية ولاتهامه فى قضايا أخرى رفعتها عليه إدارة الكسب غير المشروع، شأنه فى ذلك شأن رجال الأعمال الذين استغلوا نفوذهم وتلاعبوا فى الأراضى أو فى البورصة (!). الأمر يبدو غريبا ومحيرا. لأننا لا نعرف ثورة فى التاريخ أسقطت نظاما مستبدا وفاسدا، ثم قدمت رموزه إلى المحاكم الجنائية، لسبب جوهرى هو أن الجرائم الكبرى التى يرتكبها الطغاة تظل سياسية بالدرجة الأولى، أما الجرائم الجنائية التى يتورطون فيها تظل فى المرتبة الثانية أو الثالثة من الأهمية. ذلك حدث فى عهد مبارك الذى نكل بمعارضيه فقدمهم للمحاكم العسكرية، واعتقل عشرات الآلاف منهم، وعذب، وقتل. ولدى المنظمات الحقوقية قوائم بأعداد الذين تعرضوا للاختفاء القسرى، وجرى محوهم من الوجود. إلا أن الذين تعرضوا لتلك الجرائم كانوا فئات معينة لا يستطيع أحد أن يتجاهلها حقا، لكن ما تعرض له الشعب المصرى كله من وهن وذل. وما أصاب الوطن من جراء فساد نظامه واستبداده واستسلامه للأمريكيين والإسرائيليين، ذلك كله من الفداحة والجسامة بحيث يتعذر تجاهله أو اغتفاره. فليس قليلا تزوير الانتخابات وتدهور التعليم وانهيار الخدمات الصحية والعفن الذى شاع فى المحليات. والنهب الذى تعرضت له الثروة العقارية المصرية، والخصخصة التى أسهمت فى توحش القطاع الخاص. ولا ينسى له انصياعه للسياسات الأمريكية ولا تواطؤه مع الإسرائيليين ضد الفلسطينيين فى غزة، إلى غير ذلك من الجرائم التى أسهمت فى تخريب مصر وتدميرها وإهانتها وتقزيم دورها فى العالم العربى فضلا عن الساحة الدولية. ولعل وصف القادة الإسرائيليين له بأنه كنز استراتيجى لبلادهم يكفى بحد ذاته فى تسويد صفحته واغتياله سياسيا ومعنويا. سجل ممارسات حسنى مبارك طوال الثلاثين عاما يجعل منه مجرما سياسيا وليس مجرما جنائيا، وهذا الوصف ليس لى ولكنى سمعته من المستشار طارق البشرى أثناء مناقشة معه حول الموضوع. وكانت خلاصة رأيه أنه حين قدمت القضية إلى محكمة الجنايات بأدلتها التى وفرتها الأجهزة الأمنية التى أقامها نظامه، وحين أمضى فى السجن مدة حددها القانون للحبس، فلم يكن أمام القاضى سوى أن يخلى سبيله. لذلك فإن المشكلة ليست فيما قرره القاضى. ولكن المشكلة الحقيقية تكمن فى أن القضية التى هى فى جوهرها سياسية عرضت على قاض جنائى، وبالتالى فإنها من البداية وضعت فى المسار الغلط. علق المستشار البشرى على ذلك المشهد بقوله إن الطبقة السياسية المصرية، فى الحكم وفى المعارضة، جَبُنت عن أن تتخذ قرارا سياسيا وثوريا تحاكم به الرئيس السابق عما اقترفه نظامه من جرائم على مدى العقود الثلاثة، فأحالوا الأمر إلى القضاء الذى لم يكن أمامه سوى الالتزام بالقانون، الأمر الذى انتهى بتقرير إخلاء سبيل الرجل، فى حين أن الوضع الطبيعى فى حالة قيام الثورة كان يقضى بتشكيل محكمة خاصة تحاكم الرئيس السابق على كل جرائمه بحق الشعب السياسية وغير السياسية، لكى تحاسبه على ما ألحقه بالوطن والمواطنين من أضرار فادحة. هذا الرأى دعا إليه المستشار البشرى منذ بداية الثورة. وكان المستشار زكريا عبدالعزيز قد دعا إلى شىء مماثل تقريبا فى ميدان التحرير أثناء الثورة وبعدها، إذ كان من رأيه أن تشكل لجنة برئاسة عضو فى محكمة النقض لضمان سلامة الإجراءات، وتضم فى عضويتها خبراء يمثلون قطاعات وفئات الشعب المصرى من مثقفين ومهنيين وثوار لكى تتولى محاكمة الرئيس السابق، بحيث تثبت عليه جرائمه التى ارتكبها نظامه، حتى وإن لم تقض بتوقيع عقوبة معينة عليه، بحيث تحرر الإدانة وتسجلها فى كتاب التاريخ. الوجه الآخر المسكوت عليه فى قرار إخلاء سبيل مبارك، أننا بعد هذه الخطوة وبعد تبرئة مساعدى حبيب العادلى وزير الداخلية السابق الذين قادوا إلى جواره عملية قمع الثوار وإجهاض محاولتهم، بعد كل ذلك لم نعد نعرف من المسئول عن قتل الثوار خلال الثمانية عشر يوما التى انتهت بسقوط مبارك. وإذا تذكرنا أن هؤلاء يزيد عددهم على ألف شخص، فإننا نصبح بإزاء مشهد شديد العبثية. بمقتضاه تخلى الثورة سبيل الرجل الذى انتفضت ضده. وفى نفس الوقت تسكت على قتل أعوانه أكثر من ألف شهيد سقطوا خلالها. الأمر الذى يعنى أن الثورة برأت ساحة رأس النظام المستبد والفاسد، وحررت جريمة قتل شهدائها ضد مجهول. صدق أو لا تصدق!! نقلاً عن جريدة " الشروق "

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مجرم سياسى وليس جنائيًا مجرم سياسى وليس جنائيًا



GMT 07:55 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

رائحة الديمقراطية!

GMT 07:51 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

نصرة.. ونعمة.. وصدفة

GMT 07:49 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

صراع النجوم.. ومن (يشيل الليلة)!!

GMT 07:46 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

من حكايا دفتر المحبة.. التى لا تسقط (٤)

GMT 07:42 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

الصفحات الصفراء

GMT 03:54 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

عاربون مستعربون: لورانس العرب والصحراء

GMT 03:51 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

هل من أمل في مفاوضات سودانية؟

GMT 03:47 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

سلِّموا السلاح يَسلم الجنوب!

الملكة رانيا بإطلالات شرقية ساحرة تناسب شهر رمضان

عمان ـ مصر اليوم

GMT 16:39 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

تعرف على أفضل انواع "الأرضيات الصلبة" في الديكور المنزلي

GMT 04:37 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

نادين نجيم تتألق في حفلة Bulgari Festa في دبي

GMT 14:32 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

الآثار تصدر الجزء الأول من سلسلة الكتب عن مقابر وادي الملكات

GMT 10:34 2017 الأحد ,23 إبريل / نيسان

نيرمين الفقي تنشر صورة جريئة تكشف عن مفاتنها

GMT 15:16 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يرتدي الزي الجديد في تصفيات أمم أفريقيا

GMT 08:14 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيندي" تغزو عالم التزلج على الجليد بمجموعة فريدة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon