توقيت القاهرة المحلي 00:39:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لماذا تقوم مملكة الله على جثتنا؟

  مصر اليوم -

لماذا تقوم مملكة الله على جثتنا

وائل عبد الفتاح

كيف كان سيد قطب سيتجوّل فى شوارع حلوان الآن؟ ذهب إليها بحثًا عن استشفاء لرئته المعطوبة. هناك زاره نجيب محفوظ الذى تقول الأساطير إن سيد قطب كان مكتشفه. وهو بالفعل من أوائل النقاد الذىن اهتموا بنجيب محفوظ، وكتب عن رواياته (خصوصًا «خان الخليلى»). سيد قطب وقتها كان يريد أن يصبح أديبًا.. كاتبًا بالمفهوم الحديث.. حاكى «أيام» طه حسين فى سيرة ذاتية لم تقرأ إلا بعد أن أصبح صاحبها/ نبى التطرف. برومانتيكية طاغية كتب سيد قطب سيرته «طفل فى القرية» وأهداها إلى طه حسين قبل أن يحمله الطغيان الرومانتيكى إلى العقاد.. المعبر الأقصى عن التطرف النرجسى/ الباحث عن العظمة والعبقرية فى كل ما يعرفه/ ينتمى إليه/ وهذه النقطة تلبّى مشاعر سيد قطب الرسولية/ فهو راسم الطريق إلى اليوتوبيا/ حامل الواقع إلى مصاف الجنات الأرضية. النرجسى الزاعق عاندته علّة الجسد/ والإقامة على هوامش المدينة. كيف تكون معزولًا وأنت رسول هذه المدينة؟ من بيته فى ضاحية حلوان، أعلن سيد قطب ذات يوم الطريق إلى مملكة الله. أعلنها واضحة نحن فى مملكة الشيطان/ مجتمع جاهلى/ الإسلام غائبًا وليس غريبًا فقط. إعلانه كان انفجارًا على الورق، اختلطت فيه مفاهيم لحداثة/ الدولة والمجتمع/ بمفاهيم «الحاكمية.. له»، الإخوان فى تلك اللحظة نتف جماعة ما زالت تدور حول أفكار حسن البسيطة/ وها هو الرومانتيكى ينفجر على الواقع بمهمة الخلاص الكبير. لم يكن الأدب يتسع لهذه الانفجارات/ ولا للنرجسية الرسولية/ ولا لانفعالات تعيد العالم بحرب من «الصحابة الجدد»/ النخبة المؤمنة/ الذين يتجمّعون فى عصبة يتسربون فيها فى المجتمع الجاهلى/ الكافر، حتى لحظة تكوين القاعدة/ التمكين بمعنى ما/ لتعلن مملكة الله/ أو الدولة التى يكون فيها الحكم لله. هذه النتف العاطفية/ الانفعالية/ بنصوصها الحادة/ صنعت «معالم على الطريق» الذى أوصل الإخوان فى ١٩٦٥ إلى «الجهاز السرى» الذى سيستولى على السلطة بقوة السلاح. لم يصدق سيد قطب أن رومانتيكياته على الورق ستتحوّل إلى خطة/ وسلاح/ ومقاتلين سيصطادهم النظام بعد أن كانوا صيدًا لرسولية النبى الذى صدّر الفكرة المدمرة بأن «الأفكار تغذّيها الدماء». بدا ضحية مثالية سيد قطب وهو فى طريقه إلى منصّة الإعدام، ملامح متعبة/لكنها متماسكة/ ليست ذاهلة/ يعرف طريقه هو الذى كان قبل سنوات من إعدامه مباركًا لإعدام خميس والبقرى بطلَى أول صدام للضباط الأحرار مع العمال فى كفر الدوار بعد أسابيع قليلة من إزاحة الملك. سيد قطب كان مستشار مجلس قيادة الثورة العمالى/ الثقافى/ وتقول الأساطير إنه صانع الرؤى الاجتماعية للضباط (بكتابه «العدالة الاجتماعية فى الإسلام»)/ تقول أسطورة إخوانية أخرى إن قطب كان سيحتل موقع هيكل لعبد الناصر/ ورغم أنه كان مقيمًا فى مكتب بمقر القيادة فإنه لم يقتنص/ تقول الأسطورة أيضًا/ موقعه الرسولى المفضل إما فى وزارة التعليم (المعارف وقتها) أو فى الإذاعة. كاد سيد قطب أن يصبح «الكونت ميرابو» للضباط/ حسب عاشقى إقامة التماثل بين يوليو ١٩٥٢ والثورة الفرنسية، ولم يكمل قطب الدور الذى لعبه أونوريه جابرييل ريكوبتى، الكاتب والصحفى والخطيب النزق/ العليل الذى لعب دورًا فى انتقال فرنسا إلى الجمهورية/ رغم أنه كان مؤمنًا بالملكية الدستورية. قطب لم يكن من الممكن أن يكون «ميرابو» لأن حسيته/ ولنقل نزقه/ لم تقعه فى فخ الرسولية/ التى هى تعبير نرجسى يرى فيه الشخص فى نفسه مهام تخليص البشرية من شرورها/ بدلًا من فهمها/ والتمعّن أكثر فى رحلتها. رحلة سيد قطب قصيرة جدًّا/ أنفاسه مقطوعة فى المعرفة/ وهذا ما جعل صدمته الأولى وتحوّله إلى مقاتل ضد الحضارة تبدأ فى أمريكا/ حيث عاد من هناك نكوصيًّا/يبحث داخله عن الكنز/ محطمًا الجسور إلى المعرفة بنظرية تقول: «نأخد من الأمريكان خبرات الميكانيكا والفيزياء والزراعة والعلوم البحتة ونفارقها فى النظريات والقيم والأفكار». هذه النظرية النفعية قادته إلى فكرة «أن الله سخّر لنا الغرب لينتجوا حضارة نستهلكها نحن» على تعدد استخدامات هذه النظرية/ من تبرير الاستهلاك إلى معاداة الغرب بأسلحته وحتى اكتفاء مفاهيم مثل الديمقراطية دون سياقها/ رحلتها الفكرية. ليس أقل من نبى جديد/ بدعوته إلى مملكة الله/ وصحابة/ النخبة المؤمنة/ الجماعة/ وخطة نشر للدعوة بالقوة/ اسمها الكودى: عودة الإسلام من غيبته. بدت ملامحه غير مريحة، نظرته فيها شر يناقض هيئته الهادئة/ هكذا رأى نجيب محفوظ سيد قطب فى زيارة له بعد التحولات/ وكالعادة لم يكتب هذه الأوصاف علنًا/ أو صريحة/ لكنه وضعها فى بورتريه «عبد الوهاب إسماعيل» ضمن روايته «المرايا». هذا الشر المقيم المحفور فى ملامح طيبة/ مشروع جدّ طيب/ أو موظف يحكى خبراته لصغار الموظفين/ باقية فى صور سيد قطب التى نراها مظللة بألحان الشجن/ ونبرات الألم المكتوم/ كما يليق بالموت أن يفعل فى نفسية المصريين. تظل هنا صورة فريد عبد الخالق وهو أحد الجيل المؤسس للجماعة والذى انحاز إلى جناح حسن الهضيبى «دعاة لا قضاة» ردًّا على انفجارات الرومانتيكى سيد قطب على الورق.. فريد حكى وهو فى سنته الثمانين ربما عن آخر نظرة تبادلها مع سيد قطب.. كان ملقى بجوار الحائط يئن من التعذيب، منهك الروح والبدن، بينما مرّ قطب وتبادلا نظرة لا تُنسى.. نظرة لوم: «.. لماذا فعلت بنا ذلك.. ألم نقل لك؟». كم فريد عبد الخالق سينظر نفس النظرة إلى سيد قطب لو مرّ اليوم بين جنازات الإخوان فى بيوت حلوان وما حولها من عشوائيات تنام فيها جيتوهات الجماعة؟ ...(من حكايات القاهرة). نقلاً عن "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا تقوم مملكة الله على جثتنا لماذا تقوم مملكة الله على جثتنا



GMT 21:30 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

بعد 200 يوم.. حرب بلا رؤية

GMT 00:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عيد تحرير سيناء!

GMT 21:25 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

حل الدولتين؟

GMT 00:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

للأحزان مواسم

GMT 20:15 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

بعد 200 يوم.. حرب بلا رؤية

GMT 20:14 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

«باش جراح» المحروسة

GMT 19:37 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

مصر والكويت.. انقشاع الغبار

GMT 19:35 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

بين أفول نظام دولي وميلاد آخر.. سنوات صعبة

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 15:00 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 02:46 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم تشيلسي يرفض دعوة ساوثجيت لوديتي ألمانيا والبرازيل

GMT 03:35 2017 الجمعة ,09 حزيران / يونيو

سهر الصايغ تعرب عن سعادتها بنجاح مسلسل "الزيبق"

GMT 13:23 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

التنورة المحايدة تعطيك المجال الأوسع لإطلالة مختلفة

GMT 12:43 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

سيرين عبد النور تأسر القلوب بجمبسوت أنيق

GMT 00:46 2021 الثلاثاء ,03 آب / أغسطس

الحكومة تنتهي من مناقشة قانون رعاية المسنين

GMT 11:57 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

مالك إنتر ميامي متفائل بتعاقد فريقه مع ميسي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon