توقيت القاهرة المحلي 00:45:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لعنة التعذيب

  مصر اليوم -

لعنة التعذيب

وائل عبد الفتاح

فكِّر.. لماذا ثارت الناس يوم ٢٨ يناير وكان هدفها الأول الشرطة؟ فكِّر.. ماذا كنت تقول لأصدقائك أيامها؟ كنت تقول: لقد دفعنا الفاتورة كلها.. دفعناها بدلًا من النظام. فكِّر.. قليلًا خارج صندوقك.. ماذا ستكسب إذا عدت إلى وحشيتك.. إلى التعذيب والقتل باسم حفظ الأمن.. ولكى تحمى البلد قبل أن تقع؟ السؤال للضابط الذى تصور أن دولته عادت/ وستحميه/ وسيستمر فى الضحك على الشعب الذى يغنى لبطولات ضباطه وجنوده حماة الأمن أُسود الوطن. لكن الضابط لن يجيب.. إنه مشغول بما يتصور أنه: تعويض ما فات منذ يوم الهروب الكبير أو الاختفاء الكبير فى ٢٨ يناير.. الضابط مشغول بمحو تلك الأيام من الذاكرة.. ويلبس ملابس البطولة متصورًا أنه المنقذ/ قاهر أعداء الوطن.. نعم الوطن الذى لا يعرف أنه يقوده إلى كارثة أو دمار جديد بإعادة فتح الثلاجات ومسارح التعذيب فى الأقسام. الضابط مشغول، لأن كباره مشغولون أيضا بتمتين سلطاتهم وتكريس قبضتهم من جديد/ مشغولون بالدفاع عن «الوضع القائم وشرعنته..»/ وفى هذا الانشغال لا يستطيع مسؤول من هؤلاء أن يمنع ضابطا عن القتل والتعذيب/ فى نفس الوقت الذى يبذل كل ما يمتلك من مهارات وألاعيب سلطوية ليحاصر حريات التعبير من الرسم على الجدران إلى التظاهر ويمعن فى وضع أصول الرقابة على الإنترنت معتمدًا على ما يتصوره تأييدًا من الخائفين والمذعورين من الإخوان ولا يدرك أن هذا الخوف والذعر مؤقت ومرتبط بالقدرة على تحقيق الأمن، وهو ما لم تحققه الوحشية والقهر والعودة إلى أسلوب إدارة الجريمة، لا منْعها/ وقهر المجرم والضحية معًا/ وتكريس هيبة الضابط، لا هيبة القانون. لا يستوعب الضابط والمسؤول الذى يحميه أن هذه لحظة انتقالية/ عابرة لن تستقر فيها السلطوية والقهر والدولة الأمنية إلا بفاتورة لا يقدر جهاز الأمن كله عليها. كما لا يدرك الضابط ومسؤوله أيضًا أن لحظة التحالف/ أو سمِّها استجابة جهاز الشرطة لإرادة الشعب ورفض طاعة الإخوان فى قهر المواطنين لا تعنى أبدًا قهرهم من أى نظام آخر/ أو خصخصة القهر لصالح مجموعات من ضباط ساديين/ فاشلين مهنيا/ ويخدمون جهة أو شريحة لا نعرفها/ بينما يوجهون جريمتهم لشرائح يتصورون أن لا ضهر لها. من له المصلحة فى عودة التعذيب والقتل على يد الشرطة؟ من يحمى المجرمين بالملابس الرسمية؟ سيقولون حالات فردية.. وسنرد بأنه إذا كانت فردية فلماذا لا توقفونها؟ لماذا تقدرون على حصار الحريات ولا تقدرون على هؤلاء المرضى الذين يتجولون فى الشوارع أو يحولون الأقسام إلى سلخانات؟ لماذا عادت حكايات التعذيب؟ لماذا يتصور شخص جبان أنه وحش بما يمتلكه من سلطة مطلقة فى القسم أو الكمين/ لا يحاسبه أحد/ والقانون أداة فى يده؟ فكِّروا قليلًا/ تمردكم على الإخوان لا يمنحكم الحق فى تحويلنا إلى أَسْرى ساديتكم.. ولا ضحايا محتملين لوحشيتكم. الضحايا لها صوت، نسمعه فى كل مكان، صرخاتهم لم تعد أسيرة الزنازين وحجرات التعذيب و«ثلاجات» يمارس فيها الضباط ساديتهم الساخنة، خرجت الأصوات تتجول وتقلق المدينة، تؤرق نومها على حكايات التعذيب. يحكى السجناء عن الغرفة بخيال ضحايا يدهشهم التعاطف معهم بعد حفلات التعذيب، لم يكن فى الحسبان قبل خروج صوت الضحايا وعودتهم إلى الحياة، أن يقلق التعذيب مجتمعًا يرى أن «قلم الحكومة خير». الجسد أسير فى السجون، بلا حقوق، ملعب لاستعراضات الساديين أصحاب الذكورة المنقوصة، استعراضات يغطونها بالشعارات النبيلة: نعلِّمهم الأدب ونعيد تربيتهم. السادى تلذذ بانتهاك الجسد، يراه بلا قيمة ما دام وقع تحت يده، جسد الضابط يهتز نشوة من تعذيب الآخرين، جولة أو غزوة أو مهمة عمل ينتظر عليها مكافأة. غرف التعذيب مسرح، له طقوس مدهشة من الأسماء إلى الأدوات مرورًا بملامح تتشكل نفسيًّا بإيقاع هذه الغرف المقبضة. الدولة التى تحتكر التعذيب/ كطريقة أو منهج فى تحقيق الأمن/ والضباط الذين تروى فظائعهم مصحوبة بقشعريرة فى الجسد وغضب حارق هم رجال طيبون فى بيوتهم. لكن التعذيب جزء من أساسيات علاقة الدولة والفرد، لا تحتكر فيها الدولة العنف فقط/ لكنه كانت حتى سنوات قليلة تحتكر رواية ما يحدث/ فالأوراق معها والمعلومات فى أضابيرها وخزائنها ولا صوت سيعلو فوق صوت رواية الدولة. تكسرت هذه الاحتكارات أولًا مع محاولات الجماعات الإسلامية المنافسة فى العنف/ ومع استخدام قوة البلطجة كأداة للضبط غير المعلن فى المجتمع تفاديًا لإدانات الدولة/ ثم عندما تفككت قبضة الدولة بظهور الإنترت وجيل من صحافة «المدونين» و«هامش» للصحافة الخاصة، هنا بدأت أصوات الضحايا فى التسرب. كان كل الأمل أن يكون للضحية صوت. أما تغيير القانون ومنهج الشرطة فكان أملًا بعيدًا، لأن التعذيب يعتمد على ثقل كبير فى طريقة الحكم/ ولأنه كان هناك تواطؤ ما على كتم صوت الضحية/ خوفًا من سطوة وجبروت جهاز الأمن/ أو إنكارًا نفسيًّا لكون هذه الجرائم تحدث بالقرب منك. ولهذا كان التعذيب أحد محركات الغضب فى «25 يناير» والتغيير المأمول من يومها يحاول تأسيس أخلاق سياسية جديدة ويتألم جماعيا من التعذيب ويعتبره جريمة لا تغتفر. هل يمكن أن يتطور الوعى السياسى لينتفض المجتمع بكل رموزه ليقول: لن نقبل بالحياة فى بلد يتعذب فيه شخص وتسلب فيه كرامته بمنتهى السهولة؟ لن نجعلكم تنامون ما دام فى هذه البلد ضابط سادى يتلذذ بألم الآخرين، وهناك من يرى أن الأمن لن يتحقق إلا بتحويل قسم الشرطة/ مقر الأمن إلى سلخانة/ ومكان الاحتجاز إلى مسرح تعذيب وانتهاك. نقلاً عن "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لعنة التعذيب لعنة التعذيب



GMT 21:26 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي.. آلة الزيف الانتخابي

GMT 21:24 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

فلسطين بين دماء الشهداء وأنصار السلام

GMT 21:06 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الشكلانية والتثعبن

GMT 19:52 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

في حب العمدة صلاح السعدني

GMT 19:50 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

‎فيتو أمريكى ضد الدولة الفلسطينية.. لا جديد

GMT 04:56 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

المستفيد الأول إسرائيل لا إيران

GMT 04:15 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الغضب الساطع آتٍ..

GMT 04:13 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

جبر الخواطر.. وطحنها!

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:31 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

آندي روبرتسون يخوض لقائه الـ150 مع ليفربول أمام نيوكاسل

GMT 06:47 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد نهاية الجولة الـ 13

GMT 02:10 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

7 أسباب تؤدي لجفاف البشرة أبرزهم الطقس والتقدم في العمر

GMT 22:29 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

أحمد موسى يعلق على خروج الزمالك من كأس مصر

GMT 11:02 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أعراض التهاب الحلق وأسباب الخلط بينه وبين كورونا

GMT 03:10 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

زيادة في الطلب على العقارات بالمناطق الساحلية المصرية

GMT 22:14 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

بورصة بيروت تغلق التعاملات على انخفاض
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon