عماد الدين أديب
استمتعت استمتاعاً لا حدود له بالحوار الرائع الذى أجراه الزميل العزيز أحمد موسى فى قناة «التحرير» مع المحامى القدير المخضرم الأستاذ فريد الديب.
وأقوى ما فى أسلوب فريد الديب هو القدرة على بناء الحجة المنطقية والدلائل على قاعدة بيانات يصعب أو يستحيل التشكيك فيها مثل أن يستخدم تصريحات خصمه دون تحريف كى يثبت بها قوة وسلامة منطقه.
ولعل أهم ما أثاره الأستاذ الديب فى هذا الحوار ما سماه تلك «الهجايص» فى إلقاء الاتهامات الجزافية فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ولعل أخطر هذه الاتهامات هو ترديد شائعة أن الرئيس الأسبق يمتلك 70 مليار دولار أمريكى خارج مصر.
ويبدو أن الذين ردّدوا تلك الشائعة فى فبراير 2011 وما بعدها، فاتهم أن قيمة الدولار الأمريكى الواحد تساوى ستة جنيهات وقتها، أى أنه فى حالة صحة هذه الشائعة فإن الرئيس الأسبق كان يمتلك بما يساوى إجمالى الدخل القومى المصرى لمدة عامين!
ومن ضمن الدراسات العليا التى تلقيتها فى المعهد الدولى للصحافة ببرلين هى دراسة «تحليل الإحصائيات والأرقام» فى النشر بوسائل الإعلام، وأذكر أن الذى كان يدرس لنا هذه المادة هو سير هارولد إيفانز، رئيس التحرير الأسبق لجريدة «الصنداى تايمز» وأحد أهم أساتذة علم الصحافة وصاحب المجلدات الخمسة الشهيرة فى هذا العلم.
وحذرنا السير «إيفانز» من أن الصحفى يتعين عليه ألا يتعامل مع الأرقام على أنها مادة صماء، ولكن عليه أن يُعمل العقل ويجرى حكم المنطق وهو يتفحصها قبل إصدار قرار النشر من عدمه.
وما نقوله لا يعنى أن عهد الرئيس الأسبق كان خالياً من الفساد أو أن هناك من هو فوق المساءلة أو أكبر من منصة العدالة.
ما نحذر منه، وما يعكسه حوار الأستاذ الديب مع الزميل أحمد موسى هو ضرورة «الانضباط فى توجيه المفردات» وأن «ضبط الكلمات يؤدى إلى ضبط الأفعال»، وأن إطلاق الاتهامات هكذا دون سند أو دليل هو أمر شديد الخطورة.
وحتى لا يفهمنى أى قارئ بشكل خاطئ فإن هذا المبدأ يجب أن ينطبق فى حال توجيه أى اتهام إعلامى لأى مسئول أو شخصية عامة بصرف النظر عن انتمائها السياسى أو الفكرى أو الدينى، بدءاً من العهد الأسبق إلى العهد السابق وصولاً إلى العهد الحالى.
لا يجب الاعتداء على سمعة أو ذات أى إنسان دون سند أو دليل أو من خلال محاولات للتربص السياسى، ومحاولة تسييس الأدلة أو تزوير الحقائق بهدف تحطيم الصورة المعنوية لأى إنسان، كائناً من كان، سواء كان فى عهد «مبارك» أو عهد الإخوان.
ما يدعو إليه الأستاذ الديب هو الانتقال من زمن «الهجايص» إلى زمن دولة القانون المنضبطة التى لا يكون فيها أى مخلوق، كائناً من كان، فوق سيف العدالة.
نقلاً عن "الوطن"