وائل عبد الفتاح
الدستور يشبهنا..
لكن الاستفتاء ليس على الدستور.
الهستيريا فى أجهزة السلطة تعبر عن ذعر حقيقى ورعب من خسارة المعركة، وبالتحديد نسبة الحضور والتصويت بـ«نعم».
من أجل هذا يفعلون كل شىء، بما فى ذلك ضرب النار على أقدامهم، فماذا يعنى أن تلقى أجهزة الأمن القبض على أشخاص لأنهم يدعون الناس أن يقولوا «لا»؟
وماذا يعنى أيضا حالة الإسهال فى أفلام وكليبات وأغان، تذكرنا بموالد الدولة المستبدة القادرة على تحويل الديمقراطية إلى رقص على الصاجات وحفلات غسيل دماغ أو ما يسمونه تغييبا.
الناس ستقول «لا».. لأنها مذعورة، وهناك أجهزة فى الدولة عطلت العقل عندها لتبقى غريزة الخوف وحدها تتكلم.
هؤلاء فى حرب دفاعية عن «مصر» التى كانت ستضيع على يد الإخوان والمرسى.
الهستيريا ليست جديدة تصاحب كل استفتاء، لأن السلطة أو بالتحديد كل سلطة تدرك شرعيتها المجروحة، ولإثبات عكس ذلك تسعى إلى شرعية زائفة، وهذا سر الـ٩٩٪ الشهيرة فى نتائج الاستفتاء.
الهستيريا تصنعها جوقة مصاحبة، تبحث عن مصالحها، وتدعو إلى الدستور بأدوات ما قبل دستورية، أو سياسية، أو ديمقراطية أو حديثة، فالحديث عن المبايعة لا علاقة له بالتفاصيل. الديمقراطية والكلام المقزز من فرط ابتذاله عن حب مصر الذى يقترن بالموافقة على الدستور هو «ضد الدستور»، فالحب لا تنفيه «لا» أبدا، كما أن الحب ليس بالأغانى ولا بالعواطف الملقاة فى الطرقات.
وهذه عقلية لا تخص مؤيدى التركيبة الحاكمة بعد ٣٠ يونيو، ولا موردى الموالد الانتخابية، ولا فرق الطبالين وكدابى الزفة، وكل من له دستور يهيص ليه.
إنها عقلية مسيطرة وحاكمة وكاشفة.. يحضرنى هنا ما كتبه المستشار طارق البشرى قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى ١٩ مارس ٢٠١١.. المستشار اعتبر أن التصويت بـ«لا» على التعديلات هو «خوف من الديمقراطية»، لم يشعر بالحرج ولا بأن شهادته مجروحة، عندما يصف فى مقال منشور بصحيفة «الشروق»، من يرفض تعديلاته بأنهم «خائفون من الديمقراطية».
ورغم أن «النعم» انتصرت فإن خوف السلطات التى كتبت التعديلات وأعدت الاستفتاء عبر صفقات ومصالح خدمة تحالف مسبق بين الجيش والإخوان لم ينته.. إلا أن العقلية مستمرة، لأنها مثل الإيمان بالأقدار، تتصور أن ما تؤمن به لا يمكن مراجعته، ولا التفكير فيه، ولا حسابه نسبة إلى الواقع.
الأستاذ فهمى هويدى هو الآخر وفى نفس الصحيفة وعلى نفس الاستفتاء اعتبر أن «لا»، تعمل لخدمة مصالح أمريكا وإسرائيل، كيف؟ ولماذا؟ ومن أين أتى بهذه السهولة فى الاتهام والتخوين؟
هى عقلية من يتداولون الوصاية علينا، مرة بالحكمة، ومرة بالطبول الراقصة.
لا أحد يفكر فى الدستور ولا فى إيجابياته أو سلبياته، ربما باستثناء حملة نظمها شباب حزب الدستور تحت عنوان «حكّم عقلك».
إنها ثقافة حشود.. تختار الأردَأ ليقود الأسوَأ لتسير خلفه فقط لأنه يشبههم.
والدستور يشبهنا.
فيه من كل شىء.. شىء..
أفكار تخص الحريات والحقوق، وتحصينات لمؤسسات سلطوية، وحريات فردية، ونظرة إلى الفرد على أنه جزء من قطعان تقودها مؤسسات دينية.
كان يمكن أن يكون مجرد وثيقة عبور المرحلة الانتقالية.. تحقق نوعا من إرضاء أطراف التحالف، خوف السلطات العسكرية من ضياع هيبتها «هذا هو سر الإصرار على مادة المحاكمات العسكرية» ورغبة قادة السلفيين فى الإعلان عن وجودهم رمزيا «بوضع توابلهم الهوياتية فى بعض المواد..».. وأخيرا مواد حريات وحقوق أصرت عليها شخصيات وتيارات فى لجنة الخمسين، ونجحت فى إقرارها قبل أن يتم توزيع الأنصبة فى الغرف المغلقة.
والمدهش أننى أتوقع أنه بعد الاستفتاء سينفجر صراع بين من يريدون تحويله إلى ورقة، مجرد ورقة إثبات شرعية لا تنفذ أو يمكن تعديلها، وبين من يريدون تفعيل مواد الحريات أو تلك التى تقلص صلاحيات الرئيس ليكون مثل دستور ١٩٢٣، الذى كان ضد من كتبوه ومرروه، ولصالح من عملوا ضده.
إنها السياسة يا عزيزى.
نقلاً عن "التحرير"