وائل عبد الفتاح
«فجأة ستجد نفسك وحيدًا، مثل فأر فى متاهة...».
تدور الحكايات عن تجربة دخول قسم الشرطة، لتصل إلى هذه النقطة.
تختلف التجارب ونهايتها هذه «المتاهة» التى يتحول فيها الإنسان إلى شىء يسير بإرادة أخرى، أسير بدون إرادة، لمؤسسات تتحالف لحظة اصطياده، وتتنافس فى استعراضات السلطة ونفوذ أصحابها.
نيابة الإسكندرية شاركت فى النهاية المريبة لقصة خالد سعيد 2010، وأفرجت عن المتهمين بتعذيبه، واعتمدت تقرير الطب الشرعى المعتمد على رواية الشرطة.
سيناريو جاهز لإنقاذ وحوش الشرطة من الإدانة، يشارك فيه ممثلو مؤسسات النيابة والتحقيق، بروتينية باردة، وشعور بالانحياز ضد الفرد العادى. ما دام عاديا.
قصة خالد خرجت عن النهاية التقليدية، حيث تنتصر الشرطة، ويفلت المجرمون، ويضاف الود اللطيف إلى علاقة المؤسسات رغم تعارض أدوارها.
جثة خالد دخلت المتاهة، دارت الماكينة المعتادة، ليفتح الدرج ويخرج ملف متخم بالجرائم، سيرة أخرى بعد الموت، من صنع السلطة، الملفات جاهزة، على الشرطى المسؤول ضرب الاسم ثلاثيا (فى مصر الأسماء ثلاثية ورباعية) وفى الثلاثى تتشابه أسماء الآلاف، وسيصنع التاريخ الإجرامى فى لحظة، ما دام الفرد لم يدفع الرشوة، أو ما دامت المؤسسة الأمنية تريد من الأرشيف الإلكترونى مساندتها فى صنع المتاهة.
لكن قصة خالد لم تنته النهاية المعتادة. أفزعت المجتمع وكسرت حواجز الخوف من المؤسسات المتحدة على الفرد.
المجتمع خرج عن نص الرواية، وأجبرت المؤسسات على فض التحالف جزئيا، وقرر النائب العام إعادة التحقيق واستخراج الجثة من جديد، فى انتصار نسبى لحركة المجتمع ضد التعذيب والقتل العلنى.
لم تنته قصة خالد، لأن الجسد المعذب تحول إلى أيقونة فى 25 يناير2011، حركت المجتمع أخرجته من المتاهة.
الضحية لم تتكلم فقط.. لكنها قادت الوعى إلى الخروج من بحيرة التمساح إلى الميدان.
لم تنته قصة خالد فقد حكمت المحكمة منذ يومين 2013، على ماهينور المصرى وحسن مصطفى وعمر الحاذق وآخرين بالسجن عامين وغرامة 50 ألف جنيه.. لأنهم هتفوا مطالبين بعقاب قتلة خالد سعيد.
لم تنته قصة خالد سعيد بعدُ..
- من «حكايات القاهرة» التى أنشرها أسبوعيا على صفحات صحيفة «السفير» اللبنانية.
نقلاً عن "التحرير"