توقيت القاهرة المحلي 07:33:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ابحثوا عن السعادة ولو حاصرنا الأوغاد

  مصر اليوم -

ابحثوا عن السعادة ولو حاصرنا الأوغاد

وائل عبد الفتاح

سأحاول فى أول مقال فى السنة الجديدة... أن أهرب من المستنقع الذى نجر فيه يوميًّا إلى تفاهات... وفقاعات... تحتل مساحات ضخمة.. وتكاد تخنقنا... ونحن إما نستغيث منها... أو نبكى ونطلب الحنان والرحمة.. أو نرسل صرخات الغضب وإشارات الدخول فى اكتئاب عمومى... هذه حالة تكشف أن الفراغ من حولنا مشغول بكل النفايات والركام المتداعى من سقوط مستبد تلو مستبد ومؤامرات وخرافات تتصور أنها تمهد الأرض لوراثة مستبد جديد.... الغرض هنا أن تتحول السياسة إلى فيلم رعب... والشعب الذى شارك إلى متفرج... على استعراضات مصاصى الدماء والضحايا... والمشعوذين مروجى الخرافات.. والأوغاد الذين يحشرون الحياة من حولنا بكل مخلفات الحرب بين الاستبداد والحرية... هذه مقدمة لا تليق بالخفة التى أردتها أن تفتتح السنة الجديدة... وأردت بها قتل الأوغاد وكل مثيرى الكآبة العمومية... وموزعى الخرافات وتجار المؤامرات المرعبة... كلهم أريد أن أقتلهم فى رؤوسنا... أريد أن أعيد السؤال الذى نرتب عليه معاركنا.. أو دخولنا فى نقاش أو جدل... هل تولد الدول السعيدة بالأمنيات؟ لنتخيل أن الأصل فى السياسة، بكل ما تعنيه من عمليات إدارة الحكم، وبناء مواقف تتطور بها أدوات الحكم، هى الحصول على السعادة، وفى الديكتاتورية يحتكرها شخص واحد، وحاشيته وعصابته، أما فى الديمقراطية فتتسع نطاقات السعادة. هذا اختصار سيبدو للبعض مخلا، أو رومانتيكيا، حالما، أو منفصلا عن الواقع كما يحب المتورطون، الغارقون فى الواقعية اعتبار أن الواقع فقط، قلة الإمكانيات أو محدوديتها أو عجز الخيال. وكلما سمعت طلب «خليك واقعى» يتبعه كلام عن تحجيم الخيال، والنظر إلى الممكن، وهذه هى السياسة، لكن الثورة هى توسيع هذا الممكن، كسر الأسوار المقامة حول واقع مغلق تتوزع فيه الأنصبة والمصالح حسب قوانين لم تعد صالحة. الواقعيون هم مقبرة الثورة أم حفارو هذه القبور فهم الخائفون من التغيير، عباد الاستقرار، اللاهثون باتجاه الأب بعد أن يموت الأب، والطالبون لمغفرة سلطة ظالمة بعد الثورة عليها. لكن هؤلاء لهم معذرة، سعادتهم فى الحفاظ على مواقعهم، والتواطؤ مع الأفق المسدود باعتباره الجنة المممكنة.. و«خليك واقعى.. أحلامك ودتنا فى داهية.. وثورتك نكستنا...». إنهم يرددون خطابات أسياد مرحلة الفساد والاستبداد، هؤلاء الذين حجزوا مواقع متقدمة فى مدرج السلطة، حين كان كل حياتك تمر فى البحث عن دائرة علاقات تمنحك النفوذ، أو أرقام تليفونات ضابط أو وكيل نيابة يعيد لك الرخصة، أو يحميك من حفلات أقسام البوليس. لن تفرق معهم هؤلاء أن تمر الحياة فى تلك العمليات السخيفة، لكن من يردد كلماتهم تعبيرًا عن عدم استيعابه للتغيير ما دام يؤثر سلبًا (فى الدخل والأمن..) تلك الرشوة التى تمنح نظم الاستبداد... لهم بعض العذر.. إنهم واقعيون تعودوا على العيش بالرشوة، وحياتهم ترتبت فى انتظار «مستبد عادل»، المهم العدل... ولهذا وجد عشاق عبد الناصر متسعًا للاحتفال وترويج فكرتهم: «..أن مستقبلنا السعيد فى ماضى الديكتاتورية النبيلة...». كل هذا ليس عيبًا فى حد ذاته، فجماعات المنتظرين لعودة الزعيم أو الأمير سيظلون كذلك، لكنهم يشعرون بالزهوة فى غياب بدائل، أو عدم قدرة العشب الذى نما فى الصحراء التى كانت قبل الثورة.. على مقاومة التصحر الجديد. بمعنى أن الثورة جاءت بعد عملية تصحير ممنهجة من نظام مبارك، قامت الثورة بدون أحزاب، ولا كيانات سياسية، ولم يكن فى مجال الرؤية سوى شجرتين قديمتين الأول لمنتظرى الخليفة (الإخوان) أو منتظرى المستبد العادل (الناصريين).. وعلى اختلافهما، فإنهما ينتميان إلى أيديوجيات شعبوية، لها علاقة سلطوية باتباعها. الثورة انفجرت والبلد كلها صحراء يقيم مبارك قلعته بجهاز أمنى، وعلى هامشه شجرتان إحداهما أكبر من الأخرى، وكلاهما شارك فى الثورة التى قامت على السلطوية من أجل استرداد الحق فى أن تكون الشجرة الواحدة .... غابة. وعندما تصور الإخوان أن شجرتهم ستحتل الصحراء وحدها، وكانت معركتهم الحقيقية ليست مع السلطة أو النظام أو مؤسسات الدولة العميقة، لكن مع من نشروا العشب الأخضر فى الصحراء، كيف يحرقون الأخضر الذى ما زال بلا جذور، وكيف تعود الحياة السياسية يابسة لتتحول الشجرة إلى مظلة حكم الفقيه القادم من عصر الظلمات الأسود. العشب، الذى ينتشر بلا جذور كما يقول صديقى الذى شعرته أنه قديم من أول جلسة الدكتور طارق أبو النجا، لكنه قادر على تفكيك تلك الجذور القديمة للسلطوية، وانتظار المخلص الهابط من سماء النبوة أو البطولة المطلقة... ساعتها فقط يمكن أن يكون للعشب الأخضر جذور... لنفكر قليلًا.... لا يمكن العودة إلى الصحراء والتخلص من الإخوان باعتبارهم خطرًا، وليس تنظيمًا قريبًا، ولا بد من التفكير ماذا بعد؟ هل ننتظر مخلصًا، بطلًا، مهما كان نبله (ينافس نبل عبد الناصر) فإن دورة قدرته على السعادة قصيرة قصر الفرجة على فيلم فى السينما... فإن البطل بعد أن يهزم يتحول إلى بطل على الشعب الذى صنع منه البطولة، خصوصًا عندما يعود الشعب إلى الكنبة منتظرًا المعجزات... هذا معناه... وبوضوح أن هناك إمكانية للتصالح مع التاريخ ليس من مدخل التمجيد والتأكيد على الأسطورة... لأن المجد عندما يكون فى الماضى فإن بؤس الشعوب يتجلى بانحطاط بالغ.. كما أن الأساطير عندما تكبس على الأنفاس تتحول الأفكار إلى مجرد زغاريد أو لعنات.... هكذا فإننا من سنصنع سعادتنا، إن أردنا، أو على الأقل يمكن أن نسير فى رحلة إليها، إذا نظرت إلى الماضى بغضب... وتخلصت من ثقله... مع الاحتفاظ بالمحبة... فالفرد يقتل الأب بالمعنى الفرويدى ليولد كائنًا حرًا... وهذا لا يلغى المحبة الواقعية للأب.... ... هل يمكن التخلص من كل هذا الثقل؟ هل يمكن التفكير من خلال علاقة السعادة بالسياسة.... دعنا نجرب هذه العلاقة كمدخل لنرى أين نحن؟ وإلى أين سنذهب؟ نقلاً عن "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ابحثوا عن السعادة ولو حاصرنا الأوغاد ابحثوا عن السعادة ولو حاصرنا الأوغاد



GMT 05:21 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

سوف يكون يوماً فظيعاً

GMT 05:15 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

مِحنُ الهلال الخصيب وفِتَنه

GMT 05:12 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

لا حل في السودان إلا بالعودة إلى «منبر جدة»

GMT 05:07 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

مؤتمر باريس السوداني... رسائل متناقضة

GMT 05:05 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

الهجرات في أوروبا... حول سياسات الاندماج

GMT 05:00 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

الأولوية لا تزال لأهل غزة في محنتهم

GMT 04:59 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

«دقوا الشماسي م الضحى لحد التماسي»

هيفاء وهبي بإطلالات باريسية جذّابة خلال رحلتها لفرنسا

القاهرة - مصر اليوم
  مصر اليوم - موناكو وجهة سياحية مُميّزة لعشاق الطبيعة والتاريخ

GMT 00:48 2020 الخميس ,28 أيار / مايو

محمد رمضان يتصدر مؤشرات محرك البحث "غوغل"

GMT 23:26 2020 الجمعة ,17 إبريل / نيسان

السنغال تُسجل 21 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 11:27 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

مجلة دبلوماسية تهدى درع تكريم لسارة السهيل

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

خطوات تضمن لكٍ الحصول على بشرة صافية خالية من الشعر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon