توقيت القاهرة المحلي 13:25:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل يعجبك الانحطاط؟

  مصر اليوم -

هل يعجبك الانحطاط

وائل عبد الفتاح

عندما وقف زكى بدر فى ١٩٨٦ مهددًا فؤاد سراج الدين بفضح ما يدور فى بيته، كان علامة القانون رفعت المحجوب رئيسًا لمجلس الشعب، ولم يفعل غير تقديم سيل من الرجاء والتوسل أن لا يفعل وزير الداخلية، أما نواب الحزب الوطنى، ذلك الحزب الذى التقى فيه الباحثون عن حظ فى «يغمة» الفساد، فإنهم ضحكوا وصفقوا على استعراضات وزيرهم… خوفًا أو فرحًا بأنه «البلطجى» الذى يصفى الخصوم. هذه لم تكن دولة، ولا يمكن بأى حال أن يكون هناك قانون يحكمها.. إلا لو كان للانحطاط قانون.. دفع ثمنه زكى بدر بعد سنوات حين امتدت تسجيلاته إلى أسماء قادرة على الوصول إلى الرأس الكبير.. وتمادى هو فى تهديداته.. ليعاقب بعدها بالإزاحة.. لتنزل عليه اللعنات بعد أن وصل جبروته إلى استخدام شتائم جنسية وصفع المعارضين تحت قبة مجلس الشعب.. وفى رعاية من كانوا يضربون به المثل فى حفظ القانون وتعليمه. هذه دولتهم.. وليست دولة محترمة.. دولة البلطجة والانحطاط التى نرى على الشاشات رسائل منها.. تقول للجميع اخفضوا رؤوسكم فلدينا صفائح «زبالة» طائرة.. ولن يوقفنا أحد.. لأن الجميع يخاف أن نناله من قذارتنا.. أو تطوله فضيحتنا.. هذه هى الرسالة التى ترسلها أجهزة الأمن إلى الجميع.. وفى كل المستويات. يقولون إنهم يتنصتون على مكالمات الجميع، ويتجسسون على التليفونات.. هكذا دون قانون.. ودون مراعاة لحقوق الفرد فى حماية حريته الشخصية.. يرتكبون جريمة يل ويعترفون بها علانية.. ولا يدارون أنهم يستخدمونها لحسابات انتخابية أو لتصفية مجموعات سياسية. إنها ليست محاولة فقط لتصفية سياسيين ونشطاء، بل لإعادة قانون الانحطاط الذى يجعل أجهزة الأمن «اللاعب الوحيد» فى السياسة، أى أنها إعادة إلى أساليب الحكم بالابتزاز والفضيحة. أجهزة الأمن التى أخفت تسجيلات قتل المتظاهرين، ولم تظهر عندما طلب منها أى وثائق تخص نهب ثروات الشعب تسرب الآن تسجيلات لا تتضمن شيئًا.. لكنها تعتمد على اصطياد أجزاء من مكالمات مصحوبة بتوابل وبهارات الانحطاط، الذى لا يجعلك تسمع ما يقال.. لكنك تسحب إلى عالم التصديق إما لأنك تتلذذ بالفضيحة، ما دامت بعيدة عنك، وإما لأنك تكره الشخص الذى تعرض لجريمة التنصت، وإما لأن لك مصلحةً فى الانتقام من تلك المجموعات التى شاركت بشكل ما فى إسقاط مبارك. وكما ظهر من هذه التسجيلات فإنه يمكن لأى شخص لا يزعجه أن يعيش كمرتزق، أو يفخر بكونه مسنودًا من أجهزة الأمن، أو يجد حياته مثل كائنات تتغذى على نفايات البشرية، يمكن لهذا الشخص أن يصنع فضيحة لمن يريد ويفصلها حسب طلب الزبون الذى يدفع. إنه مقصدار فضائح… يستخدمه جهاز أمنى يتنصت على الجميع، بمن فيهم رئيس الجمهورية، ويخرج هذه التسجيلات حين يريد تثبيت سلطته البائسة التى ليس لديها شىء سوى حماية مصالح مالية، أو فرض إتاوة على الجميع. يستخدم المقصدار أيضًا من يدفع من دول خليجية تريد منع التغيير القادم من مصر، أو فرملة تأثيره بشراء نفايات الأجهزة وإغراق مصر كلها بها. كل مقصدار فضائح هو واجهة عصابة داخل، خارج الأجهزة الأمنية تبيع التسجيلات ليستفيد منها مرشحون أو أحزاب أو كيانات تبحث عن مكان فى السلطة. وفى هذه التجارة القذرة لا أحد بعيد، ومن يفرح اليوم لاصطياد شخص سيكون هو الصيد القادم، ومن يصفى حساباته مع تيارات سياسية سيجد من يصفيه بنفس الطريقة التى تفرض قانونها ضد الدولة والقانون وكل ما يمكنه أن يعبر بالبلد هذا النفق الطويل. كما أن هذه التجارة ليست باتجاه واحد أو لصالح أيتام مبارك الذين يمتلكون المال، ويدفعون لكل مقصدار مرزق ما يؤهله لشراء فيلل وسيارات، لكنها أيضًا متاحة لأيتام المرشد، وهناك إشارات إلى ذلك فى حوارات أخيرة لأحمد شفيق الذى يبدو مستفيدًا من استعراض الفضائح فى شاشات داعمة له. شفيق حكى أن نائب جهاز أمن الدولة هو الذى سجل له مكالمته مع وزير الداخلية، وأنه ضمن مجموعة اخترقت الجهاز، وما زالت موجودة فيه. بمعنى ما أن هذه الأجهزة التى لا كابح لها تريد أن تعلن أنها فوق الدولة والقانون، وهنا لا سياسة، ولا خارطة طريق، ولا دستور، ولا انتخابات.. لا شىء سوى هذه الأجهزة التى تتعارك العصابات داخلها على من يتولى إدارة البلاد بالفضيحة والابتزاز.. الأجهزة تعلن عبر تسميم الحياة السياسية أنها الحاكم الفعلى للبلاد، وأنها ورغم عجزها، وسقوط حكمها ٣٠ سنة كاملة قادرة على العودة، واللعب بنفس طريقتها القديمة. يحدث فى ظل غياب إرادة «بناء دولة ديمقراطية.. يحكمها القانون»… وفى ظل رغبة مجموعات من حاملى تصاريح تكوين الثروات ومن يدعمهم من دول الخليج فى إعادة الانحطاط إلى موقعه فى السلطة… لتضمن هذه المجموعات الدول السيطرة على السلطة أيًّا ما كانت ومن داخلها… بعد أن تكون السياسة قد عادت إلى كونها تصريحًا بالعمل من الأمنية.. والأزمة.. أن هذه عودة مستحيلة… لأن دولة الانحطاط الأمنى لم تعد قادرة على الاستمرار بعد ٣٠ سنة.. ولم يعد لديها شىء… ولا قدرة على الترويض بالخوف والرشاوى… ولهذا فإن ما يحدث الآن ليس أمرًا يخص شخصًا، أو تيارًا سياسيًّا، أو حتى نقسام بين «ثورة» و«ثورة مضادة»، لكن بين أن تكون فى مصر دولة محترمة أو لا تكون. نقلاً عن "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يعجبك الانحطاط هل يعجبك الانحطاط



GMT 04:09 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

شكراً إيران

GMT 04:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عودة إلى «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران!

GMT 04:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نيران المنطقة ومحاولة بعث التثوير

GMT 04:00 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

GMT 03:50 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ليبيا وتداول السلطة بين المبعوثين فقط

GMT 03:48 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأردن من أيلول الأسود لليوم

GMT 03:33 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

اكتشافات أثرية تحت المياه بالسعودية

GMT 03:21 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«الإبادة» ليست أسمى

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 15:00 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 02:46 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم تشيلسي يرفض دعوة ساوثجيت لوديتي ألمانيا والبرازيل

GMT 03:35 2017 الجمعة ,09 حزيران / يونيو

سهر الصايغ تعرب عن سعادتها بنجاح مسلسل "الزيبق"

GMT 13:23 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

التنورة المحايدة تعطيك المجال الأوسع لإطلالة مختلفة

GMT 12:43 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

سيرين عبد النور تأسر القلوب بجمبسوت أنيق

GMT 00:46 2021 الثلاثاء ,03 آب / أغسطس

الحكومة تنتهي من مناقشة قانون رعاية المسنين

GMT 11:57 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

مالك إنتر ميامي متفائل بتعاقد فريقه مع ميسي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon