توقيت القاهرة المحلي 13:30:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الديمقراطية لا تسقط من أعلى

  مصر اليوم -

الديمقراطية لا تسقط من أعلى

وائل عبد الفتاح

كتبت أيام مبارك عن بناء الديمقراطية من أسفل، وأيام المرسى عن أن الجمهورية لن تسقط من أعلى.. والأزمة اليوم يلخصها الانتظار بأن الثورة تنتصر بقرار من القوة المتحكمة فى السلطة. أقول «متحكمة» لأنه ليس هناك قوى «حاكمة» فى مصر، والجيش ليس قوى حكم، حسب التغييرات، أو بإرادته أن يحتل موقع «المتحكم» لا «الحاكم». الفكرة ليست جديدة، لأنها تعيد العلاقة بين الرئاسة والجيش إلى عصر مبارك تقريبا، مع عدة متغيرات فى الواقع السياسى: 1- أن مبارك كان عسكريا، وبالتحديد من شريحة البيروقراطية العسكرية، التى ورثت الجيش من الضباط الأحرار، وقادته بعد عملية إصلاح وتطوير جزئى إلى نصر 73، وهذا يعنى أنه انقطاع عن فكرة الحكم بشرعية الثورة، واستبدال شرعية المماليك بها، الغالب راكب.. وسقوط مبارك وعلى عكس الضجيج الفارغ فى ماكينات الدعاية.. هو سقوط خيار نصف المدنى- نصف العسكرى، أو صلاحية البيروقراطى العسكرى فى إدارة حكم الدولة. 2- فشل الجهاز السياسى الذى حكم مصر منذ يوليو 1952 وحتى يناير 2011، وهو جهاز كانت السلطة تتصور فيه قدرتها على إقامة «تحالف طبقى اجتماعى» تحت رايتها، لكنها مع الأزمات الاقتصادية والضغوط الاجتماعية حدث صراع حسمته أجهزة الدولة الأمنية لصالحها وقادت البلد إلى هزيمة 67، وهنا بدأت بوادر إصلاح من أعلى بقيادة عبد الناصر لكن السادات حولها فى يناير 1971 إلى «تصحيح» أفقد الدولة الأمنية جزءا من سلطتها لصالح الطبقة المالية، انقلاب من أعلى قام بتفكيك تنظيم الحكم «الاتحاد الاشتراكى» على عدة مراحل ليصل إلى «الحزب الوطنى» الذى لم يصلح كجهاز حكم، أو لم تثق فيه الدولة، وقلبها العسكرى كما لم ينجح فى التصدى لسطوة الجماعات الإرهابية فكان اختيار مبارك الحكم بجهاز أمن الدولة.. وهو ما كان أحد الأسباب القوية فى سقوطه، فأفق أى جهاز أمنى فى الحكم مسدود. 3- الثورة بكل ما قدمته من جسارة وتعبيرا عن طبقة وسطى ابنة المدينة تريد بناء دولة ديمقراطية حديثة.. كشفت عن تشققات «سبيكة» الحكم المصمتة.. وحشرت أصابعها لتفرض أو لتفتح المجال السياسى أمام قوى جديدة. هذه المتغيرات لا يمكن تجاهلها بداية من فشل عناصر الحكم فى «الدولة القديمة» وليس انتهاء بوقوف القوى الجديدة عند مرحلة «حشر الأصابع» وعدم قدرتها بعد موجات ثورية ومراحل انتقالية من بناء وجودها على الأرض، بل إن القوى القديمة استطاعت وعبر «سحر الخبرة، أو المنفعة» اجتذاب عناصر محسوبة على القوى الديمقراطية الجديدة تحت راية التحالف ضد الخطر الإخوانى، أو على أساس «مصلحة الدولة العليا» شعار السلطوية المبهر فى التعلق به وتحويله إلى مظلة تسقط من أعلى ليتوهم الشخص أنه «ابن الدولة» أو ما تسميه الأدبيات السياسية «الدولاتى» المحايد فى الصراعات السياسية، العارف وحده بمصلحة «الدولة»، الحامى وحده «الدولة من سقوطها». الوهم الكبير هنا هو انتظار التغيير من أعلى أو اعتبار أن الصراع الحالى هو كلمة النهاية، فى الثورة أو فى بناء جمهورية جديدة. الشقوق فى الأعالى تحاول تغطية نفسها بواجهات براقة، منها مثلا التفاف قطاعات شعبية حول الفريق السيسى واعتباره بطلا ومنقذا، وهى حقيقة لا يمكن البناء عليها، لكنها تعبر عن فراغات هائلة فى الواقع السياسى، وفى نفس الوقت عدم ثقة فى المعارضة القادمة من الماضى والتى احتلت صدارة المشهد بعد ثورة يناير، باعتبار أن الثورة تمثل استحقاقها فى الحكم، أو مكافأة نهاية الخدمة فى هامش مبارك الديمقراطى. السيسى وبطولته يمكن أن تبتلع فى الفراغ الذى يمثل ثقبا أسود فى الدولة المصرية، فالبطل الذى لم يختبر يثار الجدل حوله قبل أن تترسخ سلطته، وقبل أن يجد جهازه السياسى الحاكم، بمعنى أنه سيقع فى فخ الذين قادوا الدولة إلى الفشل.. الشقوق فى الأعالى أنتجت دستورا يشبهنا كما قلت من قبل، صندوق خردوات كبير لا يعبر عن وجود «مركز حاكم» أو «مهيمن»، فالمؤسسات القديمة ومن فرط قلقها لم تستطع إلا الدفاع عن مساحاتها، مكتسباتها، أو تحالفاتها «مع السلفيين مثلا»، بينما القوى الديمقراطية على هشاشة تكوينها ووعيها بقدراتها خارج الاحتجاج، مررت بعضا من مواد الحريات سيتيح إذا تم البناء عليه حركة جديدة من أسفل. وهذا ما التفت إليه بعض الشطار من المرتبطين بمصالح الطبقات المالية أو مجموعات وراثة جمال مبارك ويريدون الآن تقديم الدستور على أنه استفتاء على «المؤسسة العسكرية» والسيسى «البطل القادم من المؤسسة».. هؤلاء الشطار ينقدون الدستور على استحياء ويقولون لجمهورهم إنه دستور يسارى لأنه قلص صلاحيات الرئيس مركز تكوين العصابة فى تصوراتهم وفرض الضرائب التصاعدية.. لكنهم فى العلن يريدون الدستور كوثيقة بلا فاعلية.. يريدونه استفتاء على محبة السيسى والجيش فى مواجهة المرسى والإخوان.. يفعلون ذلك متوهمين أن هذا سيقوى شرعية 30 يونيو معزولة عن 25 يناير ليصبح الجيش والسيسى نفسه أداة القضاء على الثورة. يفعلون ذلك بتخطيط مصادرة قدرة القوى الجديدة على البناء على شقوق الأعالى.. بناء ديمقراطية من أسفل. نقلاً عن "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الديمقراطية لا تسقط من أعلى الديمقراطية لا تسقط من أعلى



GMT 03:53 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الأهرامات مقبرة «الرابرز»!!

GMT 03:51 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الشعوب «المختارة»

GMT 03:49 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

اللاجئون إلى رواندا عبر بريطانيا

GMT 03:48 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

المقاومة الشعبية والمسلحة

GMT 03:38 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

خطر تحت أقدامنا

GMT 03:35 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

عصر الكبار!

GMT 03:33 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

بشارة يخترع نفسه في (مالمو)

GMT 03:30 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الغواية وصعوبة الرفض!

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 03:33 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش
  مصر اليوم - عمرو يوسف يتحدث عن شِقو يكشف سراً عن كندة علوش

GMT 06:52 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نظام غذائي يقضي على التهاب المفاصل بأطعمة متوافرة

GMT 03:14 2021 الجمعة ,03 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تنتقد التبذير في جهاز العرائس

GMT 14:30 2021 الأحد ,04 إبريل / نيسان

"مايكروسوفت" تؤجل إعادة فتح مكاتبها بالكامل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon