وائل عبد الفتاح
سأقطع سلسلة البحث عن كنز التمساح العجوز لأعلّق سريعًا على التحالفات الجارية فى الغرف المغلقة/أو الشوارع المفتوحة/تحالفات ما بعد تصدع تركيبة 30 يونيو ودخولها مرحلة الحسم بداية من استفتاء الدستور ووصولًا إلى الصراع حول كرسى الرئاسة.
...
أولًا: بين لحظة وأخرى تتغير الخريطة.
ليست خريطة الطريق فى مصر. لكن الموقف منها. أو بالتحديد لوحة «البازل» المحيطة بها. هكذا وصل الإيقاع السريع بمسار 30 يونيو وبعد أقل من 160 يومًا إلى تصدعات فى تركيبة الحكم، وارتباكات فى التعامل مع جماعة الإخوان/التى كادت أن تقيم فى أبراج مظلوميتها أو خنادق الاضطهاد قبل أن تتخيل أن الخلاف حول مادة «المحاكمات العسكرية للمدنيين» فى الدستور وتداعيات ضرب أول مظاهرة معارضة من القوى الثورية.
لم يفهم أحد كيف اتخذ قرار «الضرب»، وهل المقصود منه إعادة بناء تركيبة 30 يونيو لتضم (الأجهزة الأمنية+الجناح الذى ترضى عنه من بقايا القوى التقليدية أو ما يُعرف شعبيًّا بالفلول+القطاع المشارك فى مسؤوليات حكومية بالفعل).
هنا تبدو الضربة الموجهة محاولة «الشق الطولى» فى القوى المحسوبة على الثورة/بأحزابها/وأجيالها/المختلفة/أو المتصارعة حول الموقف من تفاصيل خارطة الطريق/والصراع وصل بعد الهجمات الأمنية إلى خلاف مع المسار كله/أو إعلان صريح بأن الخارطة تبدّلت والمسار انحرف إلى حدود ما قبل 11 فبراير/أى إلى الحد الأدنى الذى كان يرضى بإصلاح بسيط فى دولة مبارك/مع السماح بقوى من المعارضة/كانت فى 2011 الإخوان، والآن هى القوى السياسية التى وقفت مدافعة عن «قانون التظاهر» الذى يمثّل اللحظة الفارقة فى مسار 30 يونيو.
.. ثانيًا: غامضة تلك القوى التى تقلب لوحة البازل.
هل استراحت إلى تحالفها مع «القوى التقليدية» وتركت القوى الثورية تغربل مواقفها حسب «قوة» دفاعها عن قانون يعبر عن «سطوة الدولة الأمنية» أكثر من أى مبررات أخرى؟
التغيّر فى المربعات لم يكن منتظمًا/فقد تنادت قوى الثورة غير المنظمة/البعيدة عاطفيًّا وفكريًّا عن ماضى «الدولة» بثقلها/وظروفها/وسيطرة الأجهزة الكهنوتية على مفاتيحها/والذى ما زال متوقفًا عن «الحلم» و«الثورة» التى تبدو فى مواجهة الثقل كأنها عادت لمرحلة ما قبل يونيو ٢٠١٢، أى لحظة تولى الإخوان.
أجهزة الدولة الأمنية هى رأس الحربة/التى تغيّر بحركتها خارطة القوى حول «خارطة الطريق»/فالهجوم يبدو أحيانًا جزءًا من حرب داخلية، حتى إنه مثلًا فى تحقيقات اغتيال ضابط الأمن الوطنى (تتسرب معلومات حول هوية القتلة، تتجه إلى أنها حرب تصفية من جناح إخوانى فى جهاز أمن الدولة..) وفى المقابل فإن هناك قطاعات من «القوى التقليدية» ترفض الدستور وتحاول الحشد من أجل التصويت بـ«لا» ليعود دستور ١٩٧١ (وإلى جانب أنه مستحيل سياسيًّا فإنه إجرائيًّا ستكون العودة إلى دستور ٢٠١٢).
التحالف المتخيّل إذن خطر على أطرافه (الدولة الأمنية و«الفلول»)، خصوصًا أن هناك هجومًا عنيفًا على الحكومة باعتبارها تمثّل بديلًا للحكم مدنيًّا/لا ينتمى إلى الدولة القديمة/ويمكنه بعد تجربة (قانون التظاهر) أن يلعب دور «الجهاز السياسى» لرئيس بعيد عن القوى السياسية أو هابط من حسابات الغرف المغلقة.
...
ثالثًا: وكذلك التحالفات على الضفة الأخرى لا تقل خطورة..
الإخوان أو نسختهم الاحتياطية (تحالف دعم الشرعية) رحبت بالقوى الثورية بعد ضربة الأمن فى هجمة مجلس الشورى/وبدا أن التحالف الذى أسقط مبارك بين القوى غير المنظمة والإخوان سيبنى من جديد/لكن الفكرة لم تمر إلا بين تنظيمات يسارية تحالفت من قبل مع الإسلاميين، لكنها الآن تتعرض نفسها لانشقاقات على قاعدة «أن التاريخ أثبت أن الإسلاميين لا يقلون سلطوية عن الدولة القديمة».
التحالف مرفوض حتى الآن/رغم أن الصدمات ما زالت تتوالى من الأجهزة الأمنية التى يبدو أنها تسير عملية اصطياد للنشطاء والثوريين وفق نظرية ترى أنها بالسيطرة على «مفاتيح» الحركة فى الشارع يمكن وقفها.
الأجهزة تريد استعادة هيبتها/فى مواجهة عجزها المتوقع أمام الأزمة الاقتصادية/والهيبة هو عنوان لمعركة تروّج شعبيًّا باعتبارها فقرة الساحر التى ستعيد الأمن والاستقرار وتدور عجلة الإنتاج.. هكذا بلمسة واحدة بعد أن يصمت «الثوار».. لكن سحر الهيبة لا يمكن أن يحتمل تداعيات الانتقام/أو استعادة المفقود من الجبروت القديم/فيقتل ضابط مباحث شابًّا فى حى قاهرى ولا يتوقّع مع هدير معركة الهيبة أن أهل المقتول سيحرقون القسم ويسحلونه فى الشارع... فى مشاهد تشير إلى حقيقة واقعية وهى أن الدولة لا تحتاج إلى الساحر وربما المعجزة الوحيدة التى يمكنها أن تعبر بها إلى الأمان/أن تصلح من نفسها أو تسير فى طريق الخروج من ميراث تحالفاتها الخطر.
نقلاً عن "التحرير"