وائل عبد الفتاح
لماذا تريدون إعادة الأموال؟
سألت المسؤول عن ملف القانون الدولى فى وزارة الخارجية السويسرية.
صمت قليلًا فأكملت: فى خيالنا سويسرا هى الجنة التى صممت للباحثين عن مخابئ لأموالهم، هذه المخابئ تتحول إلى مدافن للثروات السرية، وهنا تصبح كنوزًا ينام أصحابها عليها حتى تغمض الأعين عنهم فيسبحوا على كنوزهم، على هذه الأسطورة صنعت صورة سويسرا فى خيالات الشعوب المنهوبة من حكامها على أنها شريكة الديكتاتور أو ممره الآمن إلى بحيرته التى يسبح فيها على كنزه.
لم أقل للمسؤول السويسرى إن الثورة بالنسبة لقطاعات كثيرة هى اصطياد للتمساح الجبار الذى يسرق بلا حساب وقد كان الخبر الذى نشرته «الجارديان» عن ثروة مبارك تمساحنا الذى أصبح «حالة دولية فى الأموال القذرة».. هذا الخبر كان أحد العوامل الحاسمة فى اشتراك قطاعات من الشعب المصرى، إما أنها عاطفية تتعامل مع الحاكم على أنه الأب/ أو القدر الذى لا يجب الخروج عليه، أو تلك التى لا تفكر أكثر من دوران عجلة حياتها والتكيف مع القهر بما أنه من طبائع الأمور، الرقم الصادم فى تقديرات ثروة مبارك أزال الغشاوة وكسر الأسوار الوهمية، وسقط التمساح بعيدًا عن مفاتيح خزائنه.
لماذا تسعى سويسرا إلى إعادة الأموال أو على الأقل تريد أن تثبت أنها ليست «شريكة الديكتاتورية «هذا رغم أن الخدمات تمثل 75٪ من الاقتصاد السويسرى، تمثل البنوك أكثر من 6٪ منها.. كيف تخسر سويسرا صورتها القديمة، لأنه بهذا المعنى ستخسر زبائنها.
هنا بدأ المسؤول السويسرى بالرد: «تتحدث مثل بنكير (رجل بنوك) سويسرى منذ 10 سنوات».
ضحكنا، وعلقت: صحيح أتحدث عن المصالح المتضاربة بين ما تقوم به سويسرا الآن من إعادة بناء صورتها كدولة رافضة للأموال القذرة/ المنهوبة من الشعوب، وبين البنوك التى قامت سمعتها على أنها «جزيرة الأمان.. لكل من يريد إخفاء ثروته أو غسلها.. إذا صح التعبير».
المسؤول السويسرى رد مصحوبا بابتسامة: «نحن لا نريد فقط تصحيح الصورة.. نحن لا نريد بالفعل هذه الأموال الملوثة».
وشرح المسؤول: «فور سقوط نظام مبارك وبداية الحديث فى الصحف المصرية عن الفساد ومن خلال متابعة التقارير من السفارة الويسرية بالقاهرة عن حجم الفساد وتورط الرئيس وعائلته وأفراد من حكومته وأركان نظامه بادرت الحكومة السويسرية إلى مناقشة الوضع من وجهة نظرها، وتم ذلك عبر 3 خطوات:
1- قرار من الحكومة السويسرية بالتجميد السياسى لأموال 14 من بينهم مبارك وعائلته، ثم اتسعت القائمة لتصبح 32.
2- تجميد الأموال وفقًا للدستور السويسرى.
3- التجميد السريع للأموال يهدف إلى حمايتها حتى لا يمكن تحويلها إلى مكان آخر (قبل إثبات أنها تستحق الاسترداد الكامل) وذلك بضغطة زر واحدة على جهاز الكمبيوتر، كما أن هذا التجميد يساعد جهات التحقيق فى مصر للوصول إلى الحقيقة، ولهذا تزامن مع التجميد مفاوضات ومناقشات للتعاون مع الطرف المصرى ليتحول التجميد السياسى إلى تجميد قانونى.
المفاوضات توقفت فى نوفمبر 2012 بعد الإعلان الدستورى الملعون الذى أراد به المرسى إعادة بناء ديكتاتورية جديدة/وصاحبه تعيين نائب عام تابع له وجماعته/ وهو ما أثار لدى الحكومة السويسرية التحفظ على «استقلالية عملية التحقيق حول الثروات، أو شكك فى مدى استقلالية الجهات القضائية عن السلطة السياسية، وهو ما سيؤثر فى الأحداث».
القرار هنا كان بوقف المفاوضات.
لكن «التجميد السياسى» للأموال مستمر حتى فبراير القادم، والمسؤول الذى تحدث معنا قدم مذكرة لمد التجميد وربما توافق الحكومة على المد لعامين أو ثلاثة.
الأهم أن «حالة مبارك» كانت سبب التفكير فى قانون جديد تناقشه الحكومة السويسرية الربيع القادم.
وتلك حكاية أخرى.
نقلاً عن "التحرير"