وائل عبد الفتاح
لم يسمع السويسريون ردود الفعل التى وصلتنى على إعادة فتح ملف أموال مبارك وعصابته.
اليأس وحده يفسر تعليقات من نوع: «…أنتم لسه فاكرين»، أو «الفلوس راحت وموش راجعة..»، أو «أنتم تحرثون فى المحيط الأطلنطى»…
والسذاجة وحدها خلف آراء تتصور نفسها حكيمة وخبيرة وهى ترى أنه: «..ماذا تفعل مليارات مبارك أمام ما تحتاجه مصر الآن…؟».
هى السذاجة ذاتها التى جعلت سائق التاكسى ممثلًا لملايين من المصريين يحسب نصيبه من كنز مبارك المختفى فى دهاليز البنوك السويسرية.
اليأس والسذاجة هما التعبير السلبى عن أهم نقطة فى ملف أموال مبارك: لماذا لا نستطيع استعادة أموالنا التى سرقها الديكتاتور رغم سقوطه بثورة شعبية وانهيار قدرته على التحكم فى الأوراق أو فى حماية الشبكة التى كان يستخدمها فى تهريب الأموال أو غسلها أو تحويلها إلى كنز مدفون فى بحيرة البنوك السرية؟
هل هذا مجرد عجز فى النظام القانونى؟
أم أن الملف تم استخدامه بمنطق الدعاية السياسية ليدغدغ مشاعر المنتظرين لنصيبهم فى الكنز؟
الرحلة إلى سويسرا كشفت لنا عدة مؤشرات:
1- الجهات القضائية فى مصر غير مؤهلة ولا مدربة لتتبع مسار الثروات المنهوبة.
2- «تتبع..» مسار هذه الأموال عملية لها قواعد علمية فى بناء ملف القضية (أى كتابة التحقيقات وإعداد الوثائق المطلوبة بدقة..).
3- تعدد جهات التحقيق ما بين (النيابة العامة وجهاز الكسب غير المشروع والرقابة الإدارية..) يربك الطرف السويسرى الذى لا يفهم لماذا تحقق جهتان فى ملف واحد؟
وهنا سنكتشف أن فتح ملف أموال مبارك لا يتعلق فقط بحجم الأموال الموجودة فى سويسرا/ ولكنه يتعلق بما سيفعله اكتمال الملف مثل:
1- تطوير نظام قضائى فى مصر يمكنه من منع تكرار النهب.
2- التعاون مع البنوك السويسرية سيغلق الأنفاق التى كانت تهرب عبرها الأموال.
3- (والأهم) هو تفكيك الشبكة التى استخدمها مبارك وعصابته لتتغير طبيعة الأموال أو لتدخل متاهة يصعب من خلالها الربط بين جريمة النهب/ والأموال المنهوبة/ وهى عمليات معقدة تتم عبر مغاسل الأموال القذرة من جهة أو استخدام أشخاص/ سماسرة لتغيير ملامح وطبيعة هذه الأموال ليصعب التعرف عليها.
بمعنى واضح.. فإنه عندما يسرق ديكتاتور مثل مبارك أو أحد من العصابة الحاكمة/ المستفيدة من نفوذها وقوانينها فإنها تحتاج إلى:
1- نفوذ وقوة سياسية/ وفساد برعاية أعلى رأس فى السلطة تحمى جريمة النهب وربما تعمى الأبصار عنها أو تخرس جهات التحقيق حولها.
2- بنوك تقبل بأن تكون خزائن المال القذر أو تكتفى بالاطمئنان إلى «تستيف الأوراق» لتخلى مسؤوليته.
3- شبكة تتحرك عبرها الأموال فى مسارات لإخفاء الملامح.
العنصر الأول هنا فى القاهرة. والثانى فى سويسرا التى كات الصورة الذهنية عنها أنها «جنة الأموال» السرية وهى الآن موضة قديمة أمام الجنات الجديدة.. أما العنصر الثالث فهو شخصيات تعيش بين القاهرة وعواصم أخرى، ومهمتها «تبييض المال الأسود».
ولن يتم التغيير أو يتحقق مستقبل سعيد إلا بكسر هذه الحلقة.. التى من أجلها تحتل الشعوب وتقهر..
… وفى الرحلة حكايات أخرى.
نقلاً عن "التحرير"