توقيت القاهرة المحلي 03:13:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وإذا حكينا عن «محمد محمود - 2»

  مصر اليوم -

وإذا حكينا عن «محمد محمود  2»

وائل عبد الفتاح

وسنكمل حكاية محمد محمود.. من العبث. عندما يعطّل رئيس الحكومة القاهرة كلها لكى يضع حجر الأساس لشىء يسمّونه النصب التذكارى لشهداء 25 يناير و30 يونيو.. فهذا لا يعنى سوى أن الدكتور الببلاوى يسير فى ممر معتم لا يرى فيه غير بروتوكولات الاستبداد، الذى يتصوّر نفسه ذكيًّا. ماذا يعنى أن تسارع الحكومة فى يوم وليلة لتقيم هذا الشىء القبيح قبل موعد الاحتفال بذكرى محمد محمود؟ وماذا تعنى الإجراءات المصاحبة لاحتفال النصب بداية من بيان وزارة الداخلية لتعزية شهداء قتلوا على أبوابها؟ أو أن تقيم الوزارة نفسها سرادقًا للعزاء فى الميدان؟ وكما كانت «محمد محمود» تعنى مفاهيم أكبر من مجرد تظاهرات أو اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الداخلية، فإن العبث الدائر الآن لمحو الذكرى يعنى أكبر من مجرد استعادة الحكومة الانتقالية بروتوكولات من دولاب الاستبداد الذى انقرض، بداية من لوحة حجر الأساس التى لا أهمية لها إلا كتابة أسماء المسؤولين ببنط عريض.. وليس انتهاء بما تعنيه إقامة النصب بهذه السرعة إلا التمسّح بالشهداء ومسح ذاكرة الحدث بإعادة روايته من قبل السلطة نفسها التى ارتكبت الجرم أو شهدت على شركاء فى ارتكاب الجريمة يسميهم بيان الداخلية «الطرف الثالث»، وهو طرف معلوم من الوزارة وقابل لاستخدامها، وما زال حرًّا طليقًا ما دام يؤدّى المهام وينفّذ المطلوب. وهنا كانت هرولة الحكومة لتجهيز أدوات فرض روايتها على الحدث الذى يمثّل رمزًا مربكًا للداخلية وباقى عناصر الدولة الأمنية التى تصوّرت فى لحظة أنها يمكنها أن تحكم بعد الاتفاق مع الإسلاميين، إخوانًا وسلفيين، وذلك بتصفية المجموعات النشيطة الخارجة عن السيطرة بصنع مصيدة كبيرة تنهى وجودهم، قتلًا أو اعتقالًا. وهذا سر الفعل غير المبرر بهجوم وحدات من القوات الخاصة على 150 معتصمًا من أسر المصابين والشهداء فى ميدان التحرير، هجوم استخدم العنف المفرط، والوحشية الرمزية بإلقاء الجثث بين أكوام القمامة. إنها رسالة فورية، نحن وحوش، قساة القلب، ووحشين، أو إجرامنا لن توقفه دموعكم، ولا قلوبكم، ولا إنسانيتكم.. وكان الرد أقوى مما توقّع صاحب القرار يومها، المشير طنطاوى، الذى تخيّل أنه من الممكن أن يصل إلى أن يمد حكمه المؤقت إلى أجل غير مسمى، لتصبح المعادلة، طنطاوى يحكم والإخوان تدير.. ووقتها لم يعرف أحد مَن يدير مباشرة وزارة الداخلية، أو مَن يدير عملية صيد الثوار. وحتى الآن لم يعرف أحد، ولم تعترف جهات تتصور اليوم أنها بالبيان المعبّر عن ارتباك والسرادقات والنصب يمكنها أن تروّج روايتها الركيكة، لأنه لا رواية دون حقيقة يتم كشفها أو أسرار تعلن أو محاكمات حقيقية تحاكم المسؤولين.. لكن الوزارة فى بيانها اعترفت بالجريمة وهتفت «المجد للشهداء»، وتصوّرت أنها تلقى بالتهمة بعيدًا عنها.. كما تصوّر زكى رستم فى فيلم «رصيف نمرة خمسة» أن المسبحة ستنجيه من جريمته، فكانت بعد قليل دليل الإثبات على ارتكابه الجريمة. العبث من الحكومة دليل ارتباك، وعلى أن المفاهيم الحاكمة لم تتغيّر، ما زالت رغبة السلطة فى التغطية على ما حدث لكى لا نعرف شيئًا وتسود روايتها. لم تتغير مفاهيم الفساد والبيروقراطية أيضًا، فقد عثرت محافظة القاهرة على ميزانيات يصعب أن تعثر عليها فى مشاريع تنفع المواطنين، كما أنها وجدت مهندسًا جاهزًا للتصميم السريع، ووكّلت إليه بالأمر المباشر، وهو بالصدفة من الحبايب والمحاسيب، ومن مؤيّدى الفريق شفيق، وبالصدفة أيضًا يملك الشركة المنفذة قريب للمصمم، فالنصب التذكارى مهمة عاجلة استدعيت فيها الفرق الجاهزة بقوانينها ومفاهيمها، ولا احترام لقواعد وقوانين ولا لضرورة التخطيط جماليًّا للميدان، أى أنها إجراءات سلطوية بحتة لا تحترم القانون والعلم والجمال.. لتكون رمزًا للقهر ورغبة السلطة فى قتل المواطن والضحك عليه حتى آخر نفس. وفى كل هذا أكمل رئيس الحكومة البروتوكولات بهيلمان الافتتاح الذى عطّل البلد كله، كما كان يفعل أى رئيس حكومة من عهد الاستبداد والانحطاط. العبث إذن ليس فقط فى الفجاجة التى أرادت بها الداخلية محو الذاكرة بمحاولتها استعادة سلطتها على الميدان بالنصب والسرادق ونفخة رتب الضباط الضخمة.. العبث أن السلطة لم تستوعب بعد درس الإخوان أن السلطوية ممر ليس معتمًا فقط، ولكنه مغلق، نهايته كارثية، عدم الاستيعاب هنا مصدره الفشل والعجز أولًا، ويأتى من بعده محاولة الحفاظ على المكاسب واستعادة المربعات المفقودة منذ 25 يناير. وهنا يكتمل العبث بتحويل ذكرى «محمد محمود» إلى احتفال طقسى.. وحائط مبكى.. وكرنفال للأغانى والدموع.. وليس فرصة لبناء موقف سياسى مستلهم من لحظة الشجاعة والبسالة فى مواجهة سلطة كانت فى عز قبحها الوحشى.. وهذا ما سيجعل حكاية محمد محمود متواصلة. نقلاً عن "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وإذا حكينا عن «محمد محمود  2» وإذا حكينا عن «محمد محمود  2»



GMT 03:13 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

تواصل جاهلي

GMT 03:10 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

«عاشوراء» إيرانية في سماء إسرائيل

GMT 03:04 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

الحلّاق الإيراني ورقبة السلطان

GMT 02:57 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

هل تمنع أميركا حرباً إقليمية؟

GMT 02:54 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل ونهاية اللعبة الخطرة

GMT 02:52 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

مَن صاحب هوية القاهرة البصرية؟

GMT 02:47 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

كتاب لم يتم

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:31 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

آندي روبرتسون يخوض لقائه الـ150 مع ليفربول أمام نيوكاسل

GMT 06:47 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد نهاية الجولة الـ 13

GMT 02:10 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

7 أسباب تؤدي لجفاف البشرة أبرزهم الطقس والتقدم في العمر

GMT 22:29 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

أحمد موسى يعلق على خروج الزمالك من كأس مصر

GMT 11:02 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أعراض التهاب الحلق وأسباب الخلط بينه وبين كورونا

GMT 03:10 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

زيادة في الطلب على العقارات بالمناطق الساحلية المصرية

GMT 22:14 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

بورصة بيروت تغلق التعاملات على انخفاض
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon