توقيت القاهرة المحلي 11:09:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فى زمن الفخور بجهله

  مصر اليوم -

فى زمن الفخور بجهله

وائل عبد الفتاح

لا نتعلم القراءة.. نتعلم فك الخط.. وهذا مختلف تمامًا، خصوصًا عندما تنضم إلى جماعات تملأ فراغ عقلك ببروجرام كامل.. من أفكار تحشو الدماغ، وتصبح ضد التفكير.. أفكار ضد التفكير، وحياة لا لذة فيها، لأنها مثل الإقامة فى عشة فراخ، لا تعرف فيها إلا ما يجعلك باقيًا على قيد الحياة. القراءة هنا ليست ترفًا.. أو تسلية عابرة، مع احترامى للترف، ومحبتى للتسلية. لكن القراءة هى الخروج من سجن اللحظة إلى حيث تبدو البشرية فى رحلة تحررها من الأوهام. عدو القراءة هو صديق المستبد وحبيبه، عاشق الأوهام، فخور بالجهل، يخترع نظريًّا تسويقه باعتباره حقيقة لا شك فيها. وهكذا كانت قراءة الكتب محظورة على العبيد فى أمريكا. السادة البيض حكموا بالتعذيب على أى عبد أسود يضبط ومعه كتاب. لهذا فالكتاب عدو الديكتاتور، والقراءة رحلة ممنوعة فى كل تنظيم أو جامعة أو دولة تقوم على الوصاية والتسلّط. المنع يقوم على فكرة «أن هذه كتب تفسد العقل»، والمعنى الحقيقى للجملة الخالدة: «.. أنها تجعل صاحب العقل غير قابل للسيطرة»، ولهذا تجد فى تنظيمات الأيديولوجيا المغلقة قائمة بالكتب الممنوعة قبل تشجيع فكرة القراءة نفسها، كما أن الإخوان، وحسب شهادات شخصية، كانت سبب انشقاق الشباب عن الإخوان، لأن تربية الإخوان تقوم على فرض كتب معينة (عمومًا رسائل حسن البنا وفى الزواج تحفة العروس..) وفى المقابل منع أى كتاب غير موثّق (أى لا تتم الموافقة عليه أو على المؤلف). الهدف هنا هو غسيل الدماغ بصنع تقديس حول أفكار عادية (وربما تافهة لشيخ نشيط حركيًّا مثل البنا).. كتاب الرسائل هو تعليمات أو بروجرام وليس أفكارًا (يمكن الاختلاف عليها أو البناء عليها..) والقراءة بعيدًا عنه ومن وجهة نظر التنظيم لا بد أن تكون لإثبات وتأكيد صحة فكرة التنظيم وعقيدته التى لا تجعل القارئ شاردًا عن القطيع. حكايات الخروج عن «السمع والطاعة» (أتحدث عن الخروج أو التحرر لا الانشقاق الذى يعتبر إخوانيًّا أكثر من الإخوان..) تبدأ بالقراءة. الكتب تحرر العبيد.. تحرّضهم على رفض الظلم والفساد والتحكم بالريموت كنترول فى الحياة الشخصية للرجل أو المرأة. والسادة يخافون من الحرية.. والمعرفة. يريد الديكتاتور شعبًا من الأغبياء. الأغبياء أسهل فى الحكم. لهذا هناك كتب محرّمة بأوامر الرؤساء والملوك ورجال الدين.. والحكام الصغار فى البيت والحزب. هناك دائمًا سلطة تقول لك: ماذا تقرأ؟ وقائمة كتب مباحة، مسموح بها، مهذبة، وصالحة للاستخدام العلنى. وهناك كتب مهرّبة إلى مكان سرّى لا تعلن أبدًا أنك تحبه. رغم أنه الأكثر أهمية بالنسبة إليك. هذه القراءة السرية.. ممتعة.. ومدمرة، ليس للشخص، بل لمجتمع يفخر بالغباء ويتخيّل أنه دليل على تميّز خاص. دائمًا كانت هناك سلطة تصادر كتبًا. السلطة تنتهى، والكتاب يعيش، لأن القراءة هى حياة أخرى واكتشاف جديد، هذا إذا كانت قراءة، وليست مثل هز الرأس فى حضرة الذكر. الكتاب العربى ما زال أسير رحلة تبدأ مصاعبها مع فيروس الأمية المنتشر فى بعض البلاد العربية، مثل الوباء ولا تنتهى عند علاقة العرب المتوترة بفكرة الكتابة والكتب.. توتر له أصول دينية، فهناك نظرة سائدة فى عالم الإسلام تعتبر أن الكتاب هو القرآن كتاب الله الموحى به من السماء، وهذا يعنى أن الكتاب بعقد الألف واللام هو صناعة إلهية، وفى المقابل أى محاولة بشرية إما أن تأتى على هامشه: تفسير، شرح، فالعلم هو الدين والعلماء هم شارحو الدين ومفسّرو نصّه الكبير. هذه العلاقة المتوترة ربما خفّت حدتها الظاهرة ولم يبقَ منها إلا فورات ضد كتب تمثّل الثقافة الحديثة، خصوصًا فى حال اقترابها من حدود الدين، وهو ما حدث مع طه حسين فى «الشعر الجاهلى» وعلِى عبد الرازق فى «الإسلام وأصول الحكم» ومؤخرًا مع نصر أبو زيد فى «مفهوم النص». لكن هذه العلاقة لم تجعل الكتب عنصرًا أساسيًّا فى الثقافة الشعبية والإنسان العادى لا يلجأ إلى الكتاب إلا فى سنوات التعليم، وخارج هذا ليس هناك غير كتب التفاسير والأحاديث النبوية، ومؤخرًا بعض الكتب السريعة حول قضايا ساخنة ولا تنتشر عادة القراءة والاهتمام بالكتب إلا فى لحظات تحوّل المجتمع أو انتقالاته. القراءة هنا خطر، خصوصًا إذا كانت حرّة تريد الخروج من أسر الرؤية الجاهزة، والإكليشيهات التى ترى زعماء الدولة الإسلامية ملائكة تنبت لهم أجنحة، لأنهم يحكمون تحت شعارات من القرآن. وهذه الصورة هى التى يعيش على صيتها الإخوان المسلمون حتى اليوم. عاشوا على فكرة أن الدولة الإسلامية.. دولة ملائكة. وهذا ما شعرت به عند نشر فصول من كتاب المفكر العراقى «هادى العلوى» عن «تاريخ التعذيب فى الإسلام».. وذلك فى ملحق من ملاحق الكتب الممنوعة فى صحيفة «الفجر» سنة 2006. الكتاب محاولة المؤلف لتقديم نظرة أخرى من التاريخ «المسجل والمدون» لحكام الدولة الإسلامية «التى كان الحاكم فيها يحكم بشرعية من السماء».. أو الخلفاء «يستمدون قوتهم من فكرة خلافة الرسول». هذه محاولة لا لكى يصدّقها أو يؤمن بها القارئ، بل ليفكّر فيها ويتأملها ويناقشها.. خصوصًا أنها تعتمد على روايات متفق عليها من السير والتواريخ. فى نفس العدد نشرت آراء القس إبراهيم عبد السيد عن «الإرهاب الكنسى». ورغم أنه رجل دين مثل البابا شنودة «بل كان صديقه قبل الوصول إلى السلطة».. لكنه ظل محظورًا من التداول حتى مات قبل سنوات قليلة ورفض البابا الصلاة عليه، فقط لأنه فتح ملفات شائكة أولها تقديس البابا.. وأخطرها أموال الكنيسة مرورًا طبعًا بآراء دينية مخالفة لرأى الكنيسة حول الطلاق والزواج فى المسيحية. اخترت نشر الأجزاء المتعلقة بالصورة السياسية للبابا بالنسبة إلى الأقباط وتركنا أكثر ما يتعلق بالعقائد واللاهوت. وأكدت أيضًا، هذه آراء من أجل المناقشة وليس التسليم بها، لأن القراءة الحرة هنا تهدف إلى تكوين عقل لا يخاف، ولا يستسلم للجاهز والمسموح به من قبل السلطة. وقلت: نتمنّى فعلًا أن تخرج الكتب المحرمة من كهوف المنع. تخرج وتناقش حسب سياقها التاريخى الذى كتبت أو أُلّفت فيه. لنتعلّم ونتحرر.. ونبحث عن حياة سعيدة.. لا تهدم المعرفة الجديدة لذّتها. نقلاً عن "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى زمن الفخور بجهله فى زمن الفخور بجهله



GMT 23:33 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

الجولة السادسة

GMT 23:32 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

ابن حسن الصباح

GMT 23:28 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

فى كتاب الكرة المصرية «فصل كرواتيا»!

GMT 07:55 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

رائحة الديمقراطية!

GMT 07:51 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

نصرة.. ونعمة.. وصدفة

GMT 07:49 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

صراع النجوم.. ومن (يشيل الليلة)!!

GMT 07:46 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

من حكايا دفتر المحبة.. التى لا تسقط (٤)

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

القاهرة - مصر اليوم

GMT 09:41 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

"قطة تركيّة" تخوض مواجهة استثنائية مع 6 كلاب

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

هاشتاج مصر تقود العالم يتصدر تويتر

GMT 12:10 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رفيق علي أحمد ينضم إلى فريق عمل مسلسل "عروس بيروت"

GMT 03:39 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

مادلين طبر تؤكد أن عدم الإنجاب هي أكبر غلطة في حياتها

GMT 18:39 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

التفاصيل الكاملة لحريق شقة الفنانة نادية سلامة.

GMT 05:47 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الجنيه المصري مقابل الدينار الاردني الأحد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon