وائل عبد الفتاح
التايكون.. لا يولد كذلك، والمستثمر الذى يضع أمواله فى الإعلام لا يتحول إلى تايكون من تلقاء نفسه، لكن من خلال نظام وقوانين تختار بعناية تضخمهم ليتحول العادى إلى تايكون، أى إلى كائن ضخم يبتلع ما حوله ليعيش..
التايكون، لا يستمتع وحده بهذا التضخم، لكن السلطة التى تستفيد من كونها الجهة المحتكرة للسماح بهذا التضخم، وهى القادرة على تحويله إلى قط خائف.. مذعور يبحث عن «كفيل» فى كواليس الحاشية..
تستفيد من التايكون كل المواهب المتوسطة، هو راعى الميديوكر الأول، أو من لديهم استعداد للتحول إلى ميديوكر وكلما كنت مطفيًّا، خيالك فى حالة نصف انطفاء، نصف اشتعال استطاع التايكون تحويلك إلى بضاعة رائجة تدر الملايين والمليارات.
مزاج التايكون هو المتحكم الوحيد والحصرى فى ما يراه أو يعرفه الناس، ليس على مستوى الأخبار أو الحوارات حول السياسة، لكن حول الذوق والخيال، وفق صيغة أو خلطة يعتبرها كل تايكون سر نجاحه.. فى فرض ذائقة، ووعى، وخيال لا يجرح مشاعر المصالح التى قدم منا التايكون أو تضخم ليحميها.
المزاج هنا هو المحدد، لا وجود لأساليب علمية تقيس الذوق أو الرأى، بل إن التايكونات تشترى شركات قياس الرأى، أو النجاح، ليصبح معيار الاختيار أو الصعود على طريقة : «.. أمى بتحب فلانة..» أو «مراتى بتتفرج على فلانة..» أو «صاحبى شايف أن فلان عبقرى..».. هذه طريقة فى القياس، لكنها ليست الوحيدة لتكون معيار النجاح، خصوصًا أنها محدودة وتقترب من كونها تفصيلًا على مقاس جاهز وليس اختراقًا لأفق جديد، يفتح نوافذ وشرفات على المبتكر والطازج.
يتحول الإعلام مع احتكار التايكونات إلى بركة عطنة، رائحتها تدوخ من فرط الترهل والابتذال.
هذا لا يمنع طبعًا من ظهور فورات جديدة، موضات، أو أشخاص لهم أسلوب جديد، تجدد بها البركة، لكن سرعان ما تحاصر الضغوط ليتحول المبتكر إلى نمط يمكن أن يتجانس مع الطحالب الصاعدة من بركة التايكون..
هكذا استفحل الأمر بعدما أصبحت التليفزيونات والصحف أسيرة شركات الإعلان.. فالنمط الوحيد المتاح للملكية يفرض نمطًا واحدًا من إنتاج الإعلام، تبعًا لنمط ملكيته، ولهذا فإنه لا يرد لا عبر ضمانات من شركات الإعلان.. أى ترويج السلعة يصاحبه ترويج لنجوم وأنماط فى الشخصية والحياة.. وهنا «تتصالح المصالح» ما دمت غارقًا فى بحيرة النمط الواحد.. ولا تجرح المشاعر التى تتربى كل يوم لتكون جمهورًا مثاليًّا لما يمثل حين النظر إليه «وجبات سريعة» أو «نفايات الطعام» فى علب أنيقة فخمة ودعاية ضخمة تجعل هذه النفايات من أساسيات الحياة..
أين حقنا..؟
أين حقنا فى إعلام مختلف، خيال خارج صنادق التايكونات، وفى سباحة ضد تيار البحيرة العطنة..
أين حق المجتمع الواسع فى «فضاء مختلف»..؟
لماذا تظل الملكيات رهن المال الكبير؟
هناك أشكال أخرى لملكية وسائل الإعلام غير الأسلوب الواحد الذى جعل كل شيد رهن التايكون، مندوب السلطة أو مخلوقها الخرافى..؟
لا حرية إعلام بدون تحرير ملكيته.
نقلاً عن "التحرير"