عماد الدين أديب
النصوص الواضحة المتجددة هى أمر بالغ الأهمية فى صياغة الاتفاقيات والعقود، وبالذات فى أهم اتفاق تعاقدى فى المجتمع وهو الدستور.
دستور البلاد هو عقد العقود المنظم للعلاقات بين الدولة والأفراد، أو بين الحاكم والمحكوم، وهو الصيغة التى تحدد حدود الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية تحت مفهوم أن الأمة هى مصدر السلطات.
والجدل الدائر مؤخراً داخل لجنة الخمسين لصياغة الدستور الجديد، الذى وصل إلى مرحلة جديدة من الشد والجذب حول بنود بعضها، هو أمر طبيعى ومنطقى فى ظل حالة ثورية وزمن مضطرب، وارتفاع سقف الأحلام والأمنيات السياسية فى وطن قام بثلاث ثورات فى أقل من 30 شهراً وقام بإسقاط ثلاثة أنظمة وسجن رئيسين وأسقط 9 حكومات.
هذه الحالة من السيولة وتضارب الرؤى يدعمها خطر الفهم المغلوط لوظيفة الدستور، وهنا نتحدث عن أى دستور.
الدستور ليس اتفاق بيزنس يتعين أن يتم النص فيه على جميع التفاصيل وهو ليس «كتالوج» تفصيلياً لعلاقات جهات ومؤسسات، أو قاموساً مفسراً لكل أوجه الحياة داخل المجتمع.
الدستور هو اتفاق معظم قوى المجتمع على مبادئ حاكمة ومنظمة لطبيعة العلاقات بين مؤسساته وأفراده وبين هذه المؤسسات بعضها البعض.
وقصة المادة 219 المفسرة لمبادئ الشريعة فى الدستور الأخير الذى تم الاستفتاء عليه، والتى يصر حزب النور السلفى على التمسك بها ويعتبرها مادة حياة أو موت فى أى دستور، وأن حذفها أو تعديلها يعتبر أمراً فاسخاً للدستور لو لمشاركة الحزب فى صياغته، هى قصة ممللة تتكرر عند صياغة أى دستور أو أى مادة حاكمة فى أى اتفاقية أو قانون.
هنا أطرح السؤال الساذج البرىء الذى يكاد يفقدنى صوابى: هل تفقد مصر مصريتها لو لم يتم النص على أن اسم الدولة مصر، وهل يتغير موقعها الجغرافى لو لم ينص الدستور على محيط مصر العربى؟ وهل تعقد مصر هويتها الإسلامية لو لم ينص الدستور على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى مصدر التشريع؟.
ماذا لو كتب الدستور أن مصر تقع فى استراليا؟ وأن دين الدولة البوذية؟ وأن اسم مصر سيصبح بوركينا فاسو؟
لقد علمنا التاريخ -وهو خير معلم- أن النصوص والمواد القانونية والدستورية، رغم أهميتها، لا قيمة لها إلا بتوافق معظم الناس عليها وإعانة غالبية المواطنين على العمل بها، فهل هناك من يعلم؟!
نقلاً عن "الوطن"