وائل عبد الفتاح
الإخوان يريدون صنع مظلومية.
وهذه المرة يفشلون، لا يقدرون على إقناع أحد بأنهم فى حد ذاتهم «تنظيم مظلوم».
الرفض الحقيقى لإجراءات الدولة الأمنية ضدهم ليس من أجلهم، ولا تعاطفا معهم، عكس كل المظلوميات السابقة.
وهذه لحظة فارقة فى تفكيك خطابات الضحية، والقسوة التى تجعل الفرد منحازا بالطبيعة لأى صاحب ماسأة،وبالتالى ضد ظالمه.
الرواية فى مصر لم تعد خطا واحدا، أصبحت معقدة، وتبسيطها فعل من أفعال الحماقة.
من هنا فإن استعراضات الإخوان أو أطلال تنظيمهم تعبِّر عن بؤس مفرط، فهم بلا خيال يسرقون شعارات ثورة كانوا أحد عناصر فرملتها، ويتحركون بخيال ليس فى تاريخهم، فهم يتحدثون الآن عن الشارع، بينما تاريخهم كله خيالهم محدود فى التنظيم.
ولأنهم لم يستخدموا التفكير كالعادة، فإن تركيزهم على شعار الأصابع الأربعة السوداء على خلفية صفراء،لا يعنى سوى أنه علامة شىء فى الماضى لا يمكن البناء عليه، خصوصا عندما يربط بخزعبلات مثل عودة المرسى أو الدستور الملعون أو كل ميراث تلك السنة السوداء، وهذا كاشف عن الخواء الكبير الذى يدور فيه الإخوان، وعن عدم قدرتهم على الخروج من «أسر التنظيم» باعتبارهم مواطنين، هم أعضاء فى قبيلة أو طائفة، لا يمكنهم التحرر من هذه الرابطة، لأنها مطلقة، كما لا يمكنهم فتح أفق سياسى تتغير فيه الشعارات لتحمل مطالب أخرى، تدعم السعى باتجاه بناء نظام ديمقراطى.
ولا يفهم الإخوان أنهم لن يكونوا ديمقراطيين بمجرد رفع هتاف كانوا ضده مثل «يسقط حكم العسكر»، وعلى العكس فإن رفع الشعار الآن تجسيد لانتهازية أصيلة فى التنظيم، ستجد ألف دليل لكشفها وفضحها.
ومرة أخرى كل هذا لأن الرواية تعقدت، وعشنا منذ ٢٥ يناير ما لم نجربه فى سنوات طويلة، وتغيرت المواقع، وانزاحت مراكز القوة لندرك أن الأمر لا يبدو سهلا، والمواقف لا بد أن تكون مركبة، فلا يمكن أن تطالب مثلا بالتحقيق فى «مذبحة رابعة» بدون التحقيق مع كل أمراء الكراهية على منصتها، كما أن نشر «الجزيرة» لبروباجندا الإخوان ليست كما كان الحال فى الـ١٨ يوما، نافذة للممنوع، لكنها دعاية فاضحة لمفهوم «الحياد» الذى حقق شهرة القناة.
هنا انزاحت المواقع القديمة، فلم تعد الضحية الإخوانية أكثر من منافس على السلطة، كما أنه لا يمكن اعتبار ما يحدث فى مصر منذ ٣٠ يونيو مجرد مؤامرة من الدولة الأمنية.
بالتأكيد هناك قطاعات من هذه الدولة الأمنية تسعى لـ«عودة المنتقم» كما أن النزعة السلطوية عند المؤسسة العسكرية تلخص نفسها فى إعلاء مفهوم «الأمن القومى» مع الحفاظ على غموضه وعدم تحديده بما يمنح سلطة مطلقة يمكنها تفسير أى فعل على أنه «ضد الأمن القومى».
لكن بالتأكيد أيضا أن هناك قوة جديدة لم تخرج نهائيا من الفضاء الذى تكون بفعل ٢٥ يناير، وهى أيضا التى شكلت روح ٣٠ يونيو، هذه القوة ما زالت مؤثرة، ولا يمكن صناعة مستقبل إلا بوجودها.
المدهش ليس تعرض القوة الجديدة لابتزاز الإخوان، ولكن لإضعاف مَن داخلها، وذلك مع نشر مناخ الإحباط والهزيمة المسبقة، وكأن الدولة الأمنية ستتنازل عن أحلامها لمجرد أن الثوار يريدون ذلك، أو ستخفت سلطوية المؤسسة العسكرية وتتفهم طبيعة التغييرات، خوفا من إحباط الشباب أو تأكيدا على نجاح الثورة.
طبعا ستنجح الدولة الأمنية إذا علا الانهزام أمامها، وستحتل السلطوية مساحتها ما دامت الولولة وحدها فى المواجهة، وتسمع صوت الأشباح إذا صدقت الخرافات عنها.
إذا لم تدرك القوى الجديدة أنها ما زالت فى الملعب واكتفت بالاستمتاع بخطاب المازوخية، وهزت رؤوسها مع مداحى المظاليم فى الإخوان، وفرق الندابات المهزومين.. فإنها تحقق لخصومها ما يريدون..
هل يمكن أن تنتصر لمجرد أنك قادر على الشكوى، والندب، والاستسلام لرواية خصومك على تعددهم؟
أين أنت؟ أين روايتك؟
الثورة ليست فيلما عربيا نهايته سعيدة.
نقلاً عن "التحرير"