توقيت القاهرة المحلي 03:53:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لا دولة حديثة بدون حرية شخصية

  مصر اليوم -

لا دولة حديثة بدون حرية شخصية

وائل عبد الفتاح

هناك خبراء/ حكماء يتصورون أنهم يعرفون أكثر. هم أيضا عرافو المستقبل وكتاب روشتات النجاح. لديهم يقين لا يرون أن التمسك به حماقة فى لحظة متحركة. يثبتون كل شىء ليشعروا بالأمان ويعتبرون أن ما يقولونه حقيقة منزلة. يضعون الشعب فى فاترينة ويشيرون إليه: بس الشعب المصرى مش عاوز كده. وإذا اختلفت مع يقينه فالرد جاهز: «إنكم فرادى.. بعيدين عن الشعب الذى لا تهمه سخافاتكم هذه». شراسة صاحبنا أسكتتنا لحظات شعرنا فيها بأننا طريدو الفردوس العمومى/ خوارج لا يعرفون شعبهم. نستحق القتل إذن/ أو الاحتقار كما فهمنا من مروجى خلطة سياسية وقتها رأت فى اختيار عبد المنعم أبو الفتوح مرشحا للجسر المانع من الاستقطاب بين العلمانيين والإسلاميين. لم ينجح أبو الفتوح/ وسقط الرهان/ ليس فقط فى الصناديق ولكن فى اختبار «الخلطة المدنية/ الإسلامية». لم يكن أبو الفتوح سوى منشق يعيش على سحر الانشقاق. لا يستطيع مغادرة. لا شىء لديه إلا الخروج عن الجماعة. راقصا على الجسر رقصة المتردد. العارف بغريزته أن بضاعته الوحيدة هى أنه «الوجه المحسن» من تنظيمه القديم. لا يستطيع المغادرة، لأنه منافس. الصدمة من فشل الخلطة/ كانت إحباطا مجددا لعقلانية تمثل الخاصرة الرخوة لمن يعانون من مازوخية/ معظمها أصوله يسارية أمام «جماهيرية» التنظيمات الدينية. وبعد انكشاف خرافة هذه الجماهيرية/ ماذا تفعل المازوخية؟/ كيف ترى ترف الدفاع عن «اللايف- ستايل» فى ظل دفاع ملايين 30 يونيو عنه؟ الشعور بالذنب من الدفاع عن «الحرية الشخصية» أين سيذهب؟ هذا البعد/ الشخصى/ الثقافى خارج النقاش الآن فى لحظة التباس الاستبداد بين الإخوان والجيش؟ لكنه كان بعدا حاسما فى الخروج الكبير/ قالت الجماهير فى الخروج الكبير: إنهم يريدون تغيير هويتنا/ وكانت تقصد «اللايف - ستايل». الهوية واللايف، ستايل يتداخلان الآن، بشكل سيضع الحريات الشخصية بعد قليل فى قلب معركة بناء نظام جديد/ لا سلطوى/ يحترم الفرد/ لا يقمع باسم الثقافة السائدة للمجتمع. لهذا يعتبر الإخوان والإسلاميون مطاردة أصحاب اللحى أو النقاب/ حربا على الإسلام لأنهم أزيحوا من مركز قيادة القمع الشخصى/ وأنهم أبناء مخلصون لهذا القمع. يعانى الإخوان ومن حالفهم الآن من قمع حريات شخصية/ لكنهم يوصِّفونها بما يلائم «مظلوميتهم» الجديدة. فهم قبل قليل اقتربوا من إطلاق كتائب الأمر بالمعروف لتطارد المتمرد/ الخارج عن الصورة. هم يعانون الان من تربية الحضانات التى تصور لهم أنهم «الفرقة الناجية» و «النخبة المختارة» بينما من هم خارج الجماعة هم المذنبون. ولأن الناجى/ المختار لا بد أن يعيد تربية المذنب، فهنا يكمن سر الفاشية التى تحول الدولة إلى مصنع كبير لإنتاج بشر على الكتالوج. وفى هذا المفهوم سيحول العائش فى الحضانات كل حوار إلى نفس المنطقة: يعجبك البنات اللى لابسة بنطلون ضيق؟ يعجبك الولاد إلى مطولين شعرهم؟ كل قضية عامة أو كبيرة تنتهى عند هذه النقطة التى يتصورون أنها نقطة الضعف التى لا بد أن يشعر المجتمع عندها بالعار. الفاشى إذن طيب يتصور أن معه وحده مقاسات الحياة الصالحة. ويتصور أن تصوراته للتدين هى الدين، ومهما بلغت تسامحه فما دامت فكرة أن الحقيقة المطلقة معه وأن مهمته بناء المدينة الفاضلة، فستظهر شراسته وسيعتبر كل بحث عن حريته عدوًّا يجب التخلص منه. وهذا جانب قد يعتبره البعض تَرَفًا، رغم أن الحرية الشخصية هى أساس الدولة العصرية الحديثة، لكن خطاب الإخوان والسلفيين استطاعوا به فرض الشعور بالذنب، وتصوير أن الحرية تعنى الابتذال، فتكلمه عن حرية الفرد يقول لك يعنى تريد جنسا جماعيا، تدافع عن احترام الخصوصية فيقول لك يعنى عاوز المثليين يتجوزوا من بعض؟ هذه العقلية مريضة من طول إقامتها فى الحضانات وفشلها فى التعايش خارج العالم الافتراضى المغلق عليهم يتصورون أن كتالوج حياتهم سيقودهم إلى الجنة ولا يعترفون أن هناك طرقا أخرى للجنة. هذه هى الفاشية بكامل مواصفاتها.. التى تجعل مثل هذه الأسئلة مطروحة: هل تدافعون عن حريتكم فى الملابس وتتركون حرية الوطن؟ هل من أجل أسلوب الحياة.. ستخرج فى مظاهرة؟ هذه أسئلة/ اتهامات، تضع الحرية فى ثنائيات، تختصرها فى صراع صغير يختصر أقصر الطرق إلى الفاشية. الطريق المختصر للفاشية يبدأ من هنا: التضاد بين مساحتك ومساحات الحرية العامة. نقلاً عن "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا دولة حديثة بدون حرية شخصية لا دولة حديثة بدون حرية شخصية



GMT 03:53 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الأهرامات مقبرة «الرابرز»!!

GMT 03:51 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الشعوب «المختارة»

GMT 03:49 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

اللاجئون إلى رواندا عبر بريطانيا

GMT 03:48 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

المقاومة الشعبية والمسلحة

GMT 03:38 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

خطر تحت أقدامنا

GMT 03:35 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

عصر الكبار!

GMT 03:33 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

بشارة يخترع نفسه في (مالمو)

GMT 03:30 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الغواية وصعوبة الرفض!

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 06:52 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نظام غذائي يقضي على التهاب المفاصل بأطعمة متوافرة

GMT 03:14 2021 الجمعة ,03 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تنتقد التبذير في جهاز العرائس

GMT 14:30 2021 الأحد ,04 إبريل / نيسان

"مايكروسوفت" تؤجل إعادة فتح مكاتبها بالكامل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon