توقيت القاهرة المحلي 02:35:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مدرس فرنسي في سلخانة قصر النيل

  مصر اليوم -

مدرس فرنسي في سلخانة قصر النيل

وائل عبد الفتاح

لم تكتب صحيفة واحدة اسم المدرس الفرنسى المقتول فى قسم قصر النيل، غالبًا لأن الخبر فى أن الضحية هذه المرة خواجة، فرنسى وهذه هى الصدمة من وجهة نظر الأخبار. وحتى أكثر الواقعيين تشاؤمًا لم يتوقع أن تعود مسالخ أقسام البوليس بهذه السرعة، بل ويكون من بين ضحاياه رعايا أجانب، حيث كان خبراء هذه المسالخ البشرية يعرفون حدودهم، لكى لا تتحول حفلات المسلخ إلى فضائح صحفية. وفى قسم قصر النيل خبراء فى مستوى من المسالخ لا تصل إلى ما يحدث فى أقسام الخليفة وبولاق الدكرور والعمرانية ومصر القديمة إلى آخر هذه المسارح التى شهدت تعذيب وقتل مواطنين، لأنهم سقطوا ضحايا ضباط ساديين. ياااااه كنا تصورنا أن هذه أيام ولى زمانها.. وأن زمن التعذيب والقتل والحفلات الجنسية انتهى إلى غير رجعة.. وأننا سنكتب عن مسارح الجريمة اليومية فى أقسام البوليس.. كأننا نزور المتاحف أو نحكى بسعادة عن مرورنا من تلك الذكريات الموجعة المريرة، حيث الداخل إلى القسم مفقود والخارج مولود، وأنت فى القسم يعنى أنك فى المصيدة. ويبدو أن قسم قصر النيل، الجناح الراقى من مسارح التعذيب قرر أن يستعيد «بروجرامه» بأسرع مما تخيل أكثر المتشائمين، ولأنه على ما يبدو أن حكام هذا القسم كانوا مشتاقين إلى عروضهم القديمة، وشعروا بالحرمان طوال الوقت الذى منعهم الخوف من العودة إلى نشاطهم. لا يفهم هؤلاء أن الفرد سواء كان مواطنًا أو ضيفًا عندما تضطره الظروف إلى الاحتجاز فى قسم بوليس، لا يعنى هذا أنها رخصة لانتهاكه، نفسيًّا أو جسديًّا، وأن حقوق الإنسان لا تعنى فقط الابتسامة المصطنعة والذوق المتكلف فى استقبال زوار السم وطالبى الخدمات العابرة، إنما ضمان حقوق المتهم، والمحتجز. سنفترض أن رواية السلطات الرسمية صحيحة، وأن المدرس الفرنسى كسر الحظر، وهذا تطلب توقيفه، وأنه كان مخمورًا (وهذه من كلاسيكيات الروايات الرسمية لمنع التعاطف مع الضحية)، من المسؤول عن تعرضه لانتهاكات جنسية واعتداء (وصلت إلى كسر الجمجمة) فى حجز القسم؟ خبراء المسالخ فى قسم قصر النيل استخدموا الأكلشيهات المحفوظة لتقفيل هذا النوع من القضايا، وكتبوا أن الموت كان بسبب «أزمة قلبية»، وتصوروا أن حالة الفوران ضد الأجانب ستمنع من التمحيص والفحص فى حقيقة تلك الرواية التى تحمل كذبها معها. النيابة أثبتت أن الموت كان بسبب اعتداءات وجروج وكسر فى الجمجمة، وتحقق الآن مع ٦ محتجزين، لكن أين المسؤول عن تحويل مكان الاحتجاز إلى مسلخ ومسرح لحفلة اغتصاب جنسى؟ عشرات التقارير أثبتت أن أماكن الاحتجاز فى مصر غير آدمية، وتصلح لترويض وحوش بشرية من وحوش بشرية، والوزارة صامتة، لأن هذا منهجها القديم فى قمع الشعب، متصورة أن الأمن هو إثارة الفزع عند المواطنين. الموضوع ليس فورة صحفية ستمر سريعًا، أو بإلقاء كبش فداء، لكنها جريمة تهدم دولًا كاملة، وقد سقط نظام مبارك بسبب تراكم الشعور بالقهر أمام هده السلخانات البشرية. ويمكن لدولة منحطة أن تقنع جمهورها أن المجرم يستحق ذلك، لكن هذا المقتنع إذا جرب بنفسه المرور بهذه المسالخ سيلعن الدولة ويتحول إلى انتحارى دفاعًا عن إنسانيته. والخطر هنا أن هؤلاء المقيمين عند التوقيت القديم، وتصوروا أن نشاطهم استأنف من جديد لن يتغيروا، وليس أملنا تغييرهم، لكن محاكمتهم، فهم مجرمون ضد الإنسانية. كما أن الإنسانية المهدرة فى الأقسام لن تعيد قبضة الدولة الأمنية، لكنها ستعيد الغضب إلى حالة مضاعفة فما كان مقبولًا بمنطق العادة والقدر قبل ٢٥ يناير لم يعد مقبولًا حتى عند من يصفق اليوم للدولة الأمنية، ويتصور أنها الطريق الوحيد لاستعادة الأمن. لا أمن إلا: 1- احترام الإنسانية أولا وقبل كل شىء. 2- محاكمة المجرمين فى ثياب الشرطة الرسمية. 3- إغلاق المسالخ فى الأقسام، فهى مصنع الإجرام. وهذا يعنى ببساطة إنهاء تلك الثنائيات التى نعيشها منذ أن تحول جهاز الأمن إلى مستودع عدم الكفاءة، ونفخة السلطة… فيقال لنا إما أن نهدر إنسانيتكم وننتهك حرياتكم وأجسادكم وإلا الانفلات الأمنى. وإلى السيد مدير مسلخ أى قسم شرطة: على فكرة عادى جدا أن تحافظ على الأمن وتكون إنسان… أه فعلا ممكن تكون إنسانًا لا وحشًا ساديًّا. نقلًا عن "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مدرس فرنسي في سلخانة قصر النيل مدرس فرنسي في سلخانة قصر النيل



GMT 23:33 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

الجولة السادسة

GMT 23:32 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

ابن حسن الصباح

GMT 23:28 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

فى كتاب الكرة المصرية «فصل كرواتيا»!

GMT 07:55 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

رائحة الديمقراطية!

GMT 07:51 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

نصرة.. ونعمة.. وصدفة

GMT 07:49 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

صراع النجوم.. ومن (يشيل الليلة)!!

GMT 07:46 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

من حكايا دفتر المحبة.. التى لا تسقط (٤)

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

القاهرة - مصر اليوم

GMT 09:41 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

"قطة تركيّة" تخوض مواجهة استثنائية مع 6 كلاب

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

هاشتاج مصر تقود العالم يتصدر تويتر

GMT 12:10 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رفيق علي أحمد ينضم إلى فريق عمل مسلسل "عروس بيروت"

GMT 03:39 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

مادلين طبر تؤكد أن عدم الإنجاب هي أكبر غلطة في حياتها

GMT 18:39 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

التفاصيل الكاملة لحريق شقة الفنانة نادية سلامة.

GMT 05:47 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الجنيه المصري مقابل الدينار الاردني الأحد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon