وائل عبد الفتاح
للمرة الألف: ماذا يحدث فى سيناء؟ نسمع عن خطط وعمليات كبرى للقضاء على الإرهاب.. وبعدها لا نسمع سوى عن أخبار ضحايا جدد من جنودنا وضباطنا.. ولا نرى سوى جنازات تزيد الحزن والأسئلة. كيف يمكن أن نسمع خبرا عن مهاجمات الجيش الثالث للإرهابيين، والقضاء على بؤر إرهابية، ثم بعد دقائق يصدمنا خبر: تفجير مبنى المخابرات؟ هناك إصرار على أنها معركة حربية كاملة الأوصاف، حتى إن هذا يبرر القبض على الصحفى أحمد أبو دراع لنشره أخبارا مخالفة لما يقوله المتحدث العسكرى. هل هى معركة حربية؟ وحتى لو معركة حربية، هناك فرق بين إدارة الحرب فى الجبهات المفتوحة وبين إدارتها فى المدن.. أى أن الجانب الأهلى، المدنى تأثيره أهم هنا.. ويحتاج إلى إعادة نظر فى الخطط التى لا نرى منها إلا «الجثث» و«الجنازات» و«الضحايا». بمعنى آخر: الجزء الأكبر من النجاح فى الحرب على الإرهاب هو كيف يكون مجتمع سيناء معكم؟ وخسارة هذا المجتمع بتكرار نفس الادعاءات القديمة سيطيل أمد الحرب ويوسعها ويزيد عدد الضحايا. سيناء معركة مجتمع كامل ضد الإرهابيين، أو أصحاب خطط تكوين بؤرة يسمونها إمارة ليضعوها تحت رحمة أفكارهم/ قوانينهم، المهم يخرجونها من سيطرة الدولة، استبدادية أو ديمقراطية لا فرق، لتكون مسمار «الخلافة». هنا لا بد من التوقف مثلا عند معلومات قرأتها فى مقال للصحفى إسماعيل الإسكندرانى على صفحات «فيسبوك» وتناول فيه جماعة «أنصار بيت المقدس»، وهى إحدى جماعات السلفية الجهادية التى أعلنت مسؤوليتها عن محاولة اغتيال وزير الداخلية.
ومن المقال فهمت:
1- أن عمليات الجماعة فى سيناء منذ 2011، وأنها المسؤولة عن عمليات تفجير «الملثم» لخط أنابيب الغاز.
2- نشرت الجماعة فيديو بعد 3 أشهر من خطف الجنود، أيام المرسى، وذلك فى أعقاب مذبحة رفح الثانية لتخلى مسؤوليتها على المذبحة، لأن الفيديو يتضمن شكر الجنود للجماعة ودورها.
3- يقول إسماعيل الإسكندرانى فى المقال إن إعلان المسؤولية عن محاولة اغتيال وزير الداخلية نقلة نوعية وبنص الكلام فـ:«الجماعات السلفية الجهادية فى سيناء، التى تختلف عن الجماعات التكفيرية، كانت قد التزمت بخط استراتيجى منذ الثورة المصرية بعدم الاشتباك مع أى طرف مصرى أو أى طرف فلسطينى، وعدم تورطها فى السجالات والشقاقات السياسية للتركيز على العدو الصهيونى. لكن بيان (أنصار بيت المقدس) الذى تعلن فيه مسؤوليتها عن محاولة اغتيال وزير الداخلية وتهدد باغتيال وزير الدفاع وبعض الإعلاميين، يعد تطورا غير مسبوق فى خطابها وعملياتها..».
وهنا نلاحظ:
1- أن «أنصار بيت المقدس».. مثل «السلفية الجهادية» تعمل فى سيناء منذ 2011، وأن بينها وبين المرسى والإخوان تحالفا سياسيا، لكن من تركها تعمل فى سيناء ولو ضد إسرائيل فقط؟
2- هذه الجماعة هى الوسيط بين الخاطفين للجنود السبعة والدولة أيام المرسى، وهذه الوساطة هدية للرئيس الذى كان يحمى مقعده المهتز بالتحالف مع جماعات السلفية الجهادية، هذا التحالف الذى كان ذروة الإعلان عنه مؤتمر الصالة المغطاة الشهير.
3- النقلة التى حدثت فى عمليات الجماعة، وربما «السلفية الجهادية» سبقها بيان صادر فى 11 أغسطس. وحسب مقال إسماعيل الإسكندرانى صدر: «بلغة شبه قانونية غير شائعة فى خطابات الجماعات الإسلامية المسلحة»، وهذا يعنى نقلة سياسية، تهدف إلى استقطاب المجتمع الذى يبدو أن خطة المواجهة تستبعده إن لم تكن تعاديه.. خصوصا والمقال يشير إلى اتهام بيان «السلفية الجهادية» قوات الجيش المصرى بارتكاب عدة جرائم؛ منها: استخدام القوة المفرطة والأسلحة المميتة فى عملية استعراضية عشوائية، والقتل العمد لأبرياء، ثم تلفيق تهمة تبرر قتلهم دون تحقيق أو إثبات. كما اتهمها البيان بإشاعة الرعب والهلع فى منطقة سكنية مليئة بالنساء والأطفال والعجائز وتعريضهم للخطر القاتل دون سبب أو مبرر، وتضليل الرأى العام واتهام الأبرياء بتهم باطلة دون أدلة، وادعاء بطولات وهمية فى الوقت الذى يتعاون فيه مع عدو الأمة ويفتح مجالها الجوى له فيتجسس ويقتل ما يشاء، حسب صيغة البيان.
4- يبدو أن الإرهاب يستخدم خطة تقوم على عزلة الأمن عن المجتمع هناك، وتحول عناصر الأمن إلى أهداف للانتقام.
5- ويبدو أيضا أن الخطة اختارت أن يكون تعاطيها مع سيناء أمنيا.. والأمن قرر أن يتعامل مع سكان سيناء بمنطقه القديم «السيناوى مشكوك فيه حتى لو ثبت العكس».. وهذا خلق مظالم تكرست معها النظرة الحربية إلى المجتمع المصرى.
6- مرة أخرى لماذا يستمر نزيف الضحايا فى سيناء؟ هل لأن الأمن وحده؟ أم لأنه ينظر إلى سكان شبه الجزيرة بعين الاتهام الدائم؟
7- ومن الذى عزل سيناء وأقام أسوارا غير مرئية بين أهلها وبين مصر؟ من الذى رسخ شعور الغربة لديهم.. وبدلا من إقامة مشروع تنمية.. اصطاد مبارك أماكن لتقام فيها منتجعات ومدنا يشعر أهلها أنهم خدمتها أو ضيوفها؟
8- عندما قتل جنود الحدود فى رمضان أعلن الجيش عن العملية نسر، وقفز المرسى فى أيامه الأولى ليعلن أنه قائد العملية.. ما نتائج هذه العملية؟ هل فشلت؟ نجحت؟
9- لماذا لم يحاسب أحد على التقصير أو الفشل، ولماذا لا تتغير الخطة أو تتبدل حسب متطلبات المعركة؟ لماذا تتصورون أنكم ستنتصرون فقط بالأناشيد والتعاطف مع الضحايا؟ لماذا لا تتصورون أن أحد الأهداف المهمة عدم سقوط ضحايا جدد؟
نقلاً عن "التحرير"