وائل عبد الفتاح
مع مَن تتعاطف؟
أسخف سؤال الآن.
يسأله البعض من قبيل البحث عن سند أخلاقى فى هذا الطوفان الدموى.
ويسأله بعض آخر من قبيل الابتزاز.
ويسأله قطاع ليس قليلا من قبيل العجز السياسى، فالتعاطف من وجهة النظر هذه ترمومتر المواقف السياسية، بل يكاد يكون الموقف الوحيد المتاح فى حرب لا يطالنا منها غير «طرطشة الدم».
كل طرف فى هذه الحرب مجرم (يفتقر إلى الكفاءة/والقدرة) يبحث عن طريق للعودة (الحكم/السلطة) أو إلى نفوذه القديم بكل ما يملكه من قوة وقدرة على اللعب على مشاعر القطاعات الواسعة من شعب يهرب من الابتزاز باسم الدين إلى الابتزاز باسم الأمن.
الحرب أوسع من الطرفين لكنها الأقدر على الفعل.
الدولة الأمنية تريد أن تسبق الجميع، رغم أنها غير محترفة، وخبراتها لا تؤدى إلا إلى الكوارث، وقدراتها لا تحقق الأمن.
والنتيجة كما عشناها بعد خطة «الفض»: مذبحة لا تنسى وفوضى أمنية لم تتم فيها حماية أرواح أخرى (المسيحيين مثلا) ولا منشآت (كنائس ومحاكم).
هل هدف الخطة هو إعلان استعادة الشرطة لقوتها قبل يناير ٢٠١١؟
وزير الداخلية قال تصريحا خطيرا: نعدكم بعودة الأمن كما كان قبل يناير ٢٠١١.
هل هذا هدف خطة «الفض»؟
لم يكن هناك أمن قبل يناير ٢٠١١، كان قمعا وإدارة لعالم الجريمة، والحل الأمنى كما اختاره مبارك دفع الدولة كلها إلى كارثة كما عانينا منها فى مصر وكانت سبب انفجار الثورة.
وما لا يعلمه الوزير أن الدولة لن تستمر بالحل الأمنى، ولن تبنى من جديد إلا بمحو آثار سنوات حكم «الدولة الأمنية». وأن هذه الدولة لن تخرج من نفقها/مأزقها/مصيرها إلا بعودة الأجهزة الأمنية إلى دورها فى «الحماية» لا فى «الحكم» وقيادة البلاد تحت إيقاع «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».
المعركة لا تخص الأمن ولن يحلها الأمن، والإرهاب تربى فى ظل الدولة الأمنية بعد أن تصورت أنه تحت سيطرتها وطوع صفقات أمراء الإرهاب وجماعاته معها.
الإرهاب هو قرين الدولة الأمنية، والحرب إن استمرت بينهما أو بقيادة الأمن للسياسة فسنصل إلى وضع «الدولة الفاشلة» التى تتضخم فيها مؤسسات وتصل إلى أحجام غير طبيعية، وتعجز عن إدارة البلاد.
المرعب هنا أننا ننظر إلى مذبحة كاملة الأوصاف، يقوم بها الأمن ليحمى المجتمع من جيوش كان يربيها أمراء الإرهاب ليقتلنا.
نعم تحاصرنا الكوابيس ونشعر بالألم على «مشاريع قاتلينا».. ولا يمكننا الرقص مع جوقة الدولة الأمنية على الجثث.
لكن التعاطف/الألم يزداد تعقيدا وغموضا عندما نرى الميليشيات الباقية من جماعات الإرهاب تنشر الرعب وتحرق كل شىء، لأنهم فقدوا السلطة ومعها القدرة على تحويلنا إلى قطيع يسمع ويطيع أمراء الكراهية.
الفاشية وحدها هى القادرة على وضعنا فى هذا المأزق.
فاشية الإخوان التى تمنح مبررا لدى الشعب العاجز للوقوع من جديد فى كارثة اختيار الطغيان.. وغسيل سمعته..
وهنا السؤال عن التعاطف مضلل.
ولا يمكن أن ترسم أو تحدد المواقف السياسية بالألم من قتل المعتصمين تحت راية الإرهاب أو نفس هؤلاء الضحايا وهم يقتلون ويسحلون ضابط شرطة.
المواقف تبنى من أجل عدم تكرار هذا المشهد/المذبحة.
وعدم الوقوع مرة أخرى فى موقع المتفرج عن حرب بين «قاتلين» والحياة فترات تحت وقع «طرطشة الدم».
لا يمكن الوقوف سلبا بينما تستعيد الدولة الأمنية موقعها فى الحكم/القمع وجماعات الإرهاب فى المظلومية/والسيطرة على المجتمع من أسفل.
هذه لحظة مواجهة إما أن تبقى القوى السياسية الجديدة فى الساحة وإما أن تظل تبحث عن معنى كبير وراء التراشق بالتعاطف، وما يتبعها من اتهامات بالتخوين والعمالة.. وإما أن تساق الدولة كلها إلى ثنائية «الإرهاب/الدولة الأمنية»، ويعود تأسيس الدولة وفق معطيات (الأمن أولا) ويفور العفن الكامن من سنوات الاستبداد ليغرقنا تحته فى دولة الفشل الكبير.
ومن هذه الزاوية كيف يمكن النظر إلى انسحاب البرادعى؟
لنفكر معا.
نقلاً عن "التحرير"