وائل عبد الفتاح
أعلن المُرسى الحرب.
أعلنها لأن فرصته الأخيرة هى نشر الرعب واليأس.
لن يحدث شىء من مظاهرتكم.. وإذا نزلتم الشوارع ستتحول إلى بحور الدم.
يفكر المرسى مثل كل مستبد، لا يرى الشعب، وينكر تمرده عليه.. ورغم أن المرسى فى الديكتاتورية من ٣٦٥ يومًا فقط فإنه تربية استبداد وقهر.. ولا يستوعب عقله أن هناك ألف طريقة أخرى غير ممارسة الاستبداد، وأن الشعب الذى كسر رأس فرعون قبله لن يقبل فرعونًا جديدًا، لأنه يترك لحيته أو يسير خلفه جماعة تبتز المجتمع باسم الدين طوال ٨٤ سنة.
ولأنه ديكتاتور تحت التمرين، وفاشل حتى فى الاستبداد، لم يجد المرسى سوى الأوراق المحروقة ليلعب بها.. وأخرج أشباحًا من مكامنها ليصور لنفسه ولجمهوره أنه ضحية مؤامرة.
وفى نفس الوقت خرج مرشده كاشفًا عن الوجه المختفى تحت الابتسامة والسماحة.. وقال بكل فجاجة عن الثورة: إنها حرب ضد الإسلام.
بهذه العقلية تدير الجماعة مندوبها فى القصر.. و المرسى / المندوب أسير الجماعة وأفكاه وتصوراته عن العالم.
لا مجال أمام الرئيس محمد مرسى إلا دفع فرص العنف (الأهلى) إلى مداها الأقصى الذى ينشر اليأس والرعب.
وبعد ساعات قليلة من نهاية خطاب «كشف الحساب» بدأت عملية واسعة هدفها «حصار المساحات»، بدءًا بالمقار الحكومية للمؤتمرات (أقيل مديرها يحيى حسين أحد أبطال محاربة فساد بيع الشركات أيام مبارك)، وصولًا إلى الفضائيات (التى استخدم فيها النائب العام ليقرر القبض على مذيع معروف بلغته الشعبوية ويصلح لأن يكون رسالة تحذير إلى الآخرين). يبدو مرسى هنا مستجيبًا لصيحات جمهوره «اغضب»، متخيلًا أنه يواجه «مؤامرة» تهدف إلى إعادة أحمد شفيق إلى الحكم. يشترك فى المؤامرة قضاء (يحكم عبر اللجنة العليا للانتخابات بتزوير الانتخابات) وإعلام (يمهد الأرض لوصول شفيق) ومعارضة تمنح العودة غطاءً سياسيًّا.
مرسى يصدّق المؤامرة فعلًا، وقد اتخذ إجراءات انتقامية على كل المستويات، سواء فى القضاء (أحال القاضى الذى حكم ببراءة شفيق إلى التفتيش القضائى ضمن ٢٥ قاضيا اتهموا بتزوير انتخابات عام ٢٠٠٥)، والإعلام (إجراءات لإغلاق القنوات وأوامر قبض على مذيع فى أثناء وجوده على الهواء)، والإدارة الحكومية (تشغيل سلاح البيروقراطية للسيطرة على مساحات المعارضة)، إضافة إلى تفعيل النائب العام قراره القديم: منح الضبطية القضائية للمواطنين فى إلقاء القبض على مثيرى الشغب والبلطجية (وهو قرار يمنح الترخيص للعنف الأهلى ويفتح المساحة بتقنين وضع المجموعات الإخوانية ذات الطابع الميلشياوى).
مرسى اختار عدوه، وفصّل مؤامرته وخطط حربه، متحصنًا بشراكته مع العسكر (بالرعاية الأمريكية)، وهذا ما جعله يحضر الأشباح ويستعرض قوته عليهم بينما الثورة فى مكان آخر.
نقلاً عن "التحرير"