وائل عبد الفتاح
لماذا لم يرَ النائب السلفى من الباليه إلا فن العُراة؟
لأنه مسكين. ويبدو أنه تربية عائلات تعاملت مع كل جديد على أنه وَحْش سيلتهم الأجيال الجديدة، ومع كل موضة تحرر الإنسان على أنها خطر.. هؤلاء يتصورون النبل والأخلاق فى الحفاظ على الدنيا فى حدود معرفتهم.. ويمارسون سلطة المنع والتحريم لكى تبقى لهم السيطرة.
النائب لم يرَ من الباليه إلا العُرْى، ويكاد يكون ضمن قبيلة على وشك الانقراض التى ترى عريًا فى فن يمكن أن لا تحبه لكن أن تنظر إليه هذه النظرة فابحث عن تربيتك المريضة وشهوانيتك التى تجاوزت حدودها الإنسانية لتلاحق النملة ما دامت أنثى وتغطى أرجل طاولة الطعام لأنها قد تثير الغريزة أو الانحلال.
وهذه ليست نكتة.
وكما قلت من قبل هذه عادات ليست خاصة بمجتمعنا الشرقى «كما يروج أصحاب وَهْم الخصوصية الشرقية أو الإسلامية ليبرروا كل تخلف على أنه تمسك بقيم أصيلة..».
وليست قواعد دينية.
لكنها عادات موروثة من الملكة فيكتوريا.. أشهر ملكات بريطانيا.
حكمت عندما كان أسلوب الحياة الإنجليزى مثل الأمريكى الآن هو الموديل القابل للانتشار. بداية من طقس شرب الشاى فى الساعة الخامسة بعد الظهر حتى النظرة إلى الحب والجنس.
عصر فيكتوريا هو قمة عظمة بريطانيا.. الإمبراطورية الغنية القوية التى لا تغيب عنها الشمس من القاهرة إلى الهند. وكان اسم الملكة هو علامة أبّهة وقوة الإمبراطورية ودلالة على مجتمع أراد أن يصور نفسه نموذجا للتمسك بالفضيلة والتقاليد.. تمسّك إلى حد التزمّت.
اشتهر العصر بالحياة السرية التى يمارس فيها الأغنياء والأقوياء حياة سرية تتطرف فيها النزوات الجنسية إلى حدود لم تعرفها البشرية حتى الآن «وهذا ما جعل أشهر مواقع البورنو على الإنترنت تسمى نفسها بأسماء تلعب على فكرة العصر الفيكتورى». وفى المقابل كان التزمّت هو عنوان الحياة العلنية.. ادّعاء للفضيلة وكلام عن الأخلاق الرشيدة وتعليمات بانضباط مهذب فى علاقات الغرام.. «وصل إلى حد تغطية أرجل الطاولات لأنها تثير الغرائز كما قلت».
فيكتوريا نفسها كانت متطرفة فى التمسك بالأخلاق، لكن الأيام كشفت فضيحتها مع خادم الاسطبل الملكى الذى أنجبت منه طفلة تستر عليه خبراء القصر وأخفوها فى ألمانيا.
أىْ بدلًا من إعلان الحقيقة وهى احتياج الملكة إلى الحب بعد وفاة زوجها مارست حريتها فى السرّ.
وكانت هذه سمة العصر الفيكتورى.
المجتمع المصرى عاش فى السنوات الأخيرة العصر الفيكتورى «لكن بلا أبّهة ولا قوة الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس..» يمارس فى السر ألعابا مبتذَلة فى الحب والجنس.. من الزواج العرفى إلى انتشار شبكات بيع المتع الرخيصة إلى حد غير مسبوق وبتقاليع على حدود التطرف، وكل هذا تحت ستائر ثقيلة من الالتزام بالشكل «الحجاب.. وترديد آيات دينية قبل كل لقاء غير شرعى حتى إن بعض المحترفات بعد أن تقبض ثمن ليلتها تقول الحمد لله.. وفى عز العلاقة الساخنة تتوقف فجأة لأنها سمعت الأذان..».. كل هذه سمات العصر الفيكتورى «هم أيضا كانوا يهتمون بالأدعية المسيحية والملابس المحتشمة».
لا يعرف النائب أن ما قاله يُحسب على مرض بالهوس الجنسى.. ولا يعرف مثلا أنه لن يستطيع إلغاء فن تراكمت فيه خبرات البشرية، يمكن أن لا تحبه، أو لا تتذوقه، لكن أن تمنعه فهذا ما لم يعد فى يد أى سلطة.
ولا نعرف نحن لماذا يهتم نائب ويجمع كل عضلات رقبته وحنجرته ليصرح مطالبا بمنع فن «لن يُمنع» ولا ينشغل بالتعذيب، وهو فن السلطة المثير للوحشية والتخلف والعنف.
الإجابات قد تكون سهلة بأن تضع النائب وتياره كله فى إطار التخلف، أو الرجعية، أو الاستمتاع بسلطة الخارجين من الكهف.
لكن هناك ما يثيره طلب منع الباليه واستمرار التعذيب.. فالباليه فن تفجير إمكانات الجسد ليصل إلى إبداعات تتحدى حيزه الضيق واستكانته لقوانين الطبيعة. أما التعذيب ففن تطويع الجسد وقمعه وترويضه ليصبح سجنًا لروح إذا أرادت أن تنطلق.
الموضوع هنا ليس الباليه «الذى ربما لا يهتم بعض مَن لا يتذوقونه بالدفاع عنه أو ربما يعتبرون أن منعه شىء عادى باعتباره رفاهية أو ترفا».
مرة أخرى الموضوع ليس الباليه «الذى ربما يرتاح لمنعه بعض من يتصورون أن ما يعرفونه هو حدود المعرفة وأن ذوقهم هو آخر حدود المتعة».
مرة أخرى الموضوع هل أنا إنسان، الحياة بالنسبة إليه رحلة من أجل حرية وسعادة، أم فرد فى قطيع ينتظر التعليمات ويدير خده الأيمن عندما يتلقى أولى صفعات الترويض على خده الأيسر؟
نقلاً عن "التحرير"