مصر اليوم
حاول فؤاد جاد الله أن يقف فى المنتصف، لا يثير الغضب عليه، وفى نفس الوقت يحافظ على درجة الإثارة، وظَلّ طوال حواره مع يسرى فودة، يلعب فى هذه المسافة التى لم يقل فيها كل شىء، لكنه يفتح ملف إرادة الرئيس (المنتخب) كما لا يمكن أن تفعل كل المقالات التحليلية.
وهذا، مرة أخرى، سبب للتحقيق فى رواية جاد الله عما يحدث فى القصر، خصوصا فى لحظات حساسة وقعت فيها الدولة أسيرة الهوس الخطير بالسلطة.
رواية جاد الله ليست نميمة (وإن أراد هو تحويلها إلى ذلك بالإشارة دون تحديد للأسماء لتتحول إلى ألغاز) أو مساحة للاستعراض الشخصى «أو تبييض السمعة وحجز مكان متميز فى قطار السياسة».
كما لا يمكن التعامل مع الرواية على أنها تحليل سياسى (لأنها ليست كذلك) لموظف شاهد فى القصر كيف تدار أمور دولة خرجت من قبضة ديكتاتورية، وتريد جماعة أن تعيدها إلى قبضة (جديدة) وتقطع الطريق على أحلام بناء قواعد دولة جديدة.
رواية جاد الله تثير ثلاث مسائل على الأقل فى ما يتعلق باستباحة المشروعية أو استغلالها لكسر إرادة الدولة عبر السيطرة على إرادة الرئيس:
١- روى جاد الله أن الإعلان الدستورى وصل القصر مكتوبا (والإشارة كان باتجاه أنه من مكتب الإرشاد..) وهذا يعنى أن الرئيس كان خاضعا لإرادة أعلى منه جعلته يسىء استخدام صلاحياته.
٢- وفى فصل حصار المحكمة الدستورية تؤكد الرواية أن الرئيس كان عالما بمؤامرة الحصار، وحاول (حسب الرواية) أن يثنى من اتخذ القرار (ولم يكن خافيا من التفاصيل أنه خيرت الشاطر) لكنه فشل، وأوكل المهمة إلى مستشاره (جاد الله) الذى فشل هو الآخر ولتكتمل فضيحة تعطيل سلطة (من سلطات الدولة) لتمرير خطة جماعة فى إعلان ديكتاتوريتها، أى أن الحدود بين «شرعية» الرئيس ومخطط جماعة «غير شرعية» ليست موجودة، والأمر تعدى الإيمان أو الانتماء السياسى، إلى تنفيذ مخططات تستخدم «الشرعى» فى تنفيذ مخطط «غير الشرعى».
٣- ويعترف جاد الله بعملية سلق الدستور ودور المستشار الغريانى فى تنفيذ العملية سيئة السمعة.
... هذه دلائل جديدة على أن المرسى ليس إلا مندوب للجماعة (ورَجُلها القوى خيرت الشاطر) فى القصر الرئاسى، وأن مشروعيته جسر لعبور الجماعة فى «احتلال الدولة».
ماذا يعنى أن يتحول الرئيس إلى مندوب جماعة أو واجهة لمخطط كامل:
* مجرد صاحب الحق فى التوقيع على إعلان دستورى.
* تُرفع صوره رغمًا عنه فى حصار المحكمة الدستورية.
* منفِّذ للتعليمات الخاصة بأحد أساسيات الدولة (الدستور).
هذا ليس حكمًا لكنه «مخطَّط» لتمرير احتلال «جماعة» استباحت المشروعية وحوَّلتها إلى أداة قهر وقمع وفرض إرادة على الدولة والمجتمع.
ورواية جاد الله هنا شهادة (حتى وإن لم يُرِد بها ذلك، واكتفى بأنها عملية غسيل سمعة وتبرئة ذمة).. لكن لكل دولة ضمير عمومى يحافظ على مصالح المجتمع بعيدا عن جنون وهوس السلطة.
هذا ما يفسر طبعا عملية فرض نائب عام تابع للجماعة وأداة من أدواتها لتكتمل عناصر «المشروعية المستباحة».
هل ستمر رواية جاد الله كما مرت شهادة المستشار مصطفى خاطر عن تدخل النائب العام فى تحويل مسار الاتهام (فى الاعتداء على المعتصمين فى الاتحادية) لصالح ما تريده الرئاسة وإدارتها من مكتب الإرشاد؟!
.. سنرى.