مصر اليوم
إنهم يحبون المؤامرة.
ربما أكثر من حياتهم نفسها.
تضيع الحياة.. لكن المؤامرة ونظريتها والمؤمنين بها تعيش وتترعرع.
المؤامرة هى بديل الحياة أحيانا ومبرر الشعور بالعجز أو الضعف دائما.. هى نظارة ترى بها الحياة ومخبأ تدارى به فشلك.. و.. نعم هذه بقية حكاية توجو مزراحى الذى أسعدنا بأفلام.. ارتاح ناقد اسمه أحمد رأفت بهجت وهو يضعها كلها فى حزمة واحدة ضمن «مؤامرة».. إذا خلعتَ نظارتك وأخرجتَها من الأساطير المؤسِّسة لوجودك فى الحياة، ستضحك بكل ما لديك من قوة.
من أول سطر فى كتابه «اليهود والسينما فى مصر» يعلن بهجت عن مهمته «النبيلة»، يقول: «استشعر اليهود منذ البداية مدى أهمية احتكار السينما باعتبارها الشكل الجديد والأمثل من وسائل الترفيه القادرة على تحقيق أهدافهم المادية وأفكارهم الأيديولوجية».
السينما هنا جزء من مؤامرة صهيونية لتشويه العرب والمسلمين... ليس فى السينما المصرية بل فى سينما العالم كله. من هنا فإن توجو مزراحى ليس إلا يهوديا من الأشكيناز.
ويستغل شالوم اليهودى (بطل سلسلة أفلام سبقت سلسلة إسماعيل ياسين) من السفارديم ليثبت استحالة حياة اليهود فى مصر.
وعلى الرغم من أن المؤلف معجب بالممثل فإنه يراه شريكا سلبيا فى المؤامرة.
والغريب أن الهدف من المؤامرة ليس إلا إقناع اليهود بأن لا حياة لهم فى مصر.
هكذا يصنع توجو مزراحى سينما فقط لكى يقنع اليهود بالهجرة إلى إسرائيل... (؟!). وهى نظرة مهووسة بفكرة الهدف السرى وراء الصورة البسيطة. هوس إلى درجة لا تتيح لصاحبها الخروج عنها.. هو أسيرها.. الفكرة جاهزة.. ساطعة مثل الحقيقة.. وهو مثل الأنبياء أو الرسل (والفرسان النبلاء) ليس عليه إلا إثباتها (دون فسحة للتأمل).
قد يرى تأثير الثقافة اليهودية على مخرج مثل توجو مزراحى، يمكنه ذلك، لكن مَن يعتقد أن شخصية على الكسار فى سلسلة أفلامه غرضها الوحيد تقديم المصريين فى صورة بلهاء.. أو أن ليلى الشخصية القادمة من الريف والتى يظلمها المجتمع الأرستقراطى.. هى نفسها ليلى مراد اليهودية (قبل أن تعلن إسلامها 1946).. وهو ما يجعله يظن أو متاكدًا من أن الجمهور سيرى ليلى (بطلة الفيلم) فى صورة المضطهَدة (على طريقة ليلى مراد اليهودية).
الناقد هنا مخبر سرى (هل قلت الناقد؟!) ربما.. والغريب أنه يثبت علاقة توجو مزراحى بالصهيونية عن طريق مذكرة لوزارة الداخلية لا يثبت فيها سوى التاريخ، لكن أى نوع من المذكرات؟ وأين وكيف عثر عليها؟ لا يهتم!
له مُعجَبون ومريدون.. أقصد لفكرته أو للهوس بالمؤامرة الخفيَّة.. والقنبلة المفخَّخة. إعجاب المهزوم الذى يبحث عن قشة يتعلق بها ويبرِّر تردِّى أحواله. لأنه حتى منهج البحث عن المعنى الاجتماعى للصورة تجاوزت الهوس الذى رأى أفلام توجو مزراحى قنبلة فى السينما المصرية.. أقنعت فقراء اليهود بالهجرة إلى إسرائيل.. ودمرت صورة الذات عند المصريين والعرب.
عرفتَ الآن لماذا لم أستطع تكملة الكتاب الملىء بكلام شبيه عن أسماء لامعة فى السينما المصرية من ليلى مراد وراقية إبراهيم ونجمة إبراهيم وكاميليا.. والمخرجين وداد عرفى والأخوين لاما.. كلام لم يفتح لى نافذة بل بنى جدارا؟
كلام أقلق ذاكرتى (هل ستتغير صورة ليلى مراد أو كاميليا أو راقية إبراهيم.. وكل واحدة.. نجمة أحلام رجل يبحث عن صورة ناعمة.. هل ستتغير الصورة لأن النجمة يهودية.. أو ستتوافق صورة نجمة إبراهيم أكثر مع أكليشيه صورة ريا وسكينة عندما نتأكد أنها يهودية...؟ كلام يفسد الذاكرة ولا يمنحها متعة الاكتشاف).