وائل عبد الفتاح
إنها لحظة الرسائل المتضاربة.. الغرف المغلقة تريد أن تسارع برسم ملامح للمشهد السياسى.. قبل أن تشتعل مواجهات أو اضطرابات جديدة.
الغرف مشتعلة، بينما الشارع ينتظر مُحبطًا أحيانا، واثقًا فى حالة نادرة من أن خلف كل ضربات الثورة المضادة وتحالفها الشرس (عسكرا وإخوانا وسلفيين وجزءا من جناح مبارك المالى) إلا أن روحها قوية.. وتلقائيتها ما زالت فاعلة رغم اتساع السحابة السوداء التى تظلل البلد كله.. واستكمالا لأسئلة أمس عن شواغلنا فى تحليل الرسائل والصور الواردة من الغرف المغلقة، فإنه ومن جانب آخر للنظر إلى اجتماع مرسى مع الجيش، فالرسالة تقول: الدولة فى سلام.. الرسالة موجهة إلى ثلاث جهات أهمها: الراعى الدولى لشركة الحكم (بين العسكر والإخوان)، وثانيتها: الأطراف غير المنظورة فى المشهد السياسى، وهى بقايا نظام مبارك القديم (من الأجنحة المالية والأمنية)، آخر هذه الجهات الشعب الذى أصبح ينظر إلى الإخوان على أنهم خطر لا بد أن يرحل، وهو ما يصب رصيدا قويا لدى الجيش بالنسبة إلى قطاعات عاجزة ولم تحررها الثورة.
الرسالة هنا هدفها الأول عبور الأزمة، لأنه عمليا: الجيش يستردّ شعبيته الضائعة على حساب الإخوان وبناءً على أنه من القوى المضادة أو البديلة، لا الحليفة. وفى رسالة «سلام الدولة» هذه يبدو الجيش منتصرا أو محققا لما يريد على حساب الرئيس الذى يريد الخروج من الأزمة، وهذا ما يجعله فى وضع الانتباه والمذعن الذى ظهر به فى اجتماع الجيش.ومن ناحية أخرى اجتمع وفد صندوق النقد الدولى مع قادة المعارضة ورموز مجتمعها من أجل الوصول إلى قرار قريب حول القرض، الذى أصبح موضوع حياة أو موت بالنسبة إلى المرسى وجماعته. الصندوق يبحث عبر اجتماعاته عن ثلاث نقاط:التوافق السياسى- الاستقرار الأمنى- الرؤية الاقتصادية.وهذا ربما ما يكون عنوان «الإجراءات الكبرى» التى أعلن مرسى أمام الجيش أنه على وشك اتخاذها، وعلى العكس من تصورات أقدم (تزامنت مع الموعد الأول لاجتماع الجيش) عن النية لاتخاذ إجراءات قمعية لإعادة السيطرة، لكن الرئيس ذهب إلى الجيش فى وضع «التهدئة» واستمع إلى ما يعتبره الجيش مؤامرة:شائعات- تهريب الزى العسكرى- ترتيب هجوم من إسلاميين على القوات المسلحة فى سيناء وغيرها، بالإضافة طبعا إلى نبرة الهجوم من قيادات إخوانية للجيش (كانت أعلاها علانية على لسان مرشد الجماعة، وأخطرها محاولات خيرت الشاطر اختراق المجال الاقتصادى للمؤسسة العسكرية).الجيش لم يكن وحده فى اجتماع مرسى، كان معه ظهير شعبى يطالب بتسلمه البلد (مليون توكيل فى حسابات أحد منظمى حملة كبيرة) وطلب وفود من الأقباط لقاء الفريق السيسى بعد موقف متخاذل للرئاسة من الهجوم على الكاتدرائية. من هذا الموقع نصح الجيش مرسى (الذى حرص على التأكيد لفظيا أنه القائد الأعلى ورئيس الجمهورية) بعدة نصائح لا تتعلق فقط بشأن الكاتدرائية.. (التحذير العسكرى ذكر تعبيرات عن الحرب الأهلية التى لن يسمح بها الجيش)، وإنما شملت أيضا قضايا مثل العلاقة مع إيران.. ورأى الجيش عدم التقارب العسكرى مع إيران (التى وصفت بأن لها مطامع) حتى لا يمس علاقات أساسية مع دول أخرى.اللقاء هنا يبدو لاستكمال صورة السيطرة، واستمرار «شركة الحكم» بين الإخوان والعسكر، وبالرعاية الأمريكية، وبإعادة توزيع الأنصبة ليبدو الجيش مرتاحا أكثر (نفى مرسى الاقتراب من قياداته، واعتبر أن هذه محاولات للوقيعة بين الرئاسة والقيادة العسكرية) ويبدو أيضا محافظا على موقعه (أعلن أن التحقيقات فى رفح وصلت إلى اتهام 35 من غزة بعضهم ينتمى إلى حماس. وتأكد فى الاجتماع أن مذبحة رفح أساسية فى حرب توزيع الأنصبة).استمرار الشركة مصيرى بالنسبة إلى مرسى فى مراهنة أخيرة للحصول على القرض، ليس فقط بما يمثله من 4.9 مليار دولار -ستستهلَك غالبا فى علاج أزمة الموارد- لكن القرض هو «خطاب ضمان» لدى العالم بأن النظام مستقر، ويمكنه عبور الأزمة، وهذا سيجلب 13 مليارا من مؤسسات مالية، وسينشط خريطة الاستثمار.مرسى إذن يبحث عن قُبلة الحياة لـ«شركة الحكم» التى فقدت معظم فاعليتها فى أقل من 300 يوم.. لكنها فى محاولة أخيرة لكسب الوقت وعبور الأزمة، تمهيدا لمواجهة شاملة وكبيرة ضد قوى الثورة.. أو التى ما زالت توصّف الوضع على أنه صورة لا أزمة.
نقلاً عن جريدة الوطن