مصر اليوم
هناك حاجة إلى ضبط مصطلحات..
1- لسنا فى أزمة.. أنها ثورة تواجه ثورة مضادة تحالف فيها من أصبح رئيسا (بسبب الثورة) مع أجنحة أمنية ومالية فى النظام القديم لتوقيف الثورة أو تحويلها إلى النموذج الرومانى، حيث تتغير الوجوه وتبقى تركيبة الحكم: سلطوية - وصاية -رأسمالية متوحشة - حكم نخبة تتصور أنها تحتكر مصالح الدولة العليا.
2- وبالتالى فالصراع ليس بين نظام ومعارضة، ولكن إرادة ثورة لتغيير تركيبة الحكم لا اسم الحاكم لتصبح: دولة سكان تقوم على المواطنة.. لا دولة مراكز صلبة ولا جماعات طليعة.. ولا نخبة مختارة تتداول الحكم.
3- ولا شىء يحسم الصراع إلا انتصار الثورة ببناء نظام ديمقراطى.. أى بعلاقة جديدة بين الحاكم والمجتمع.. ليس المهم هنا من أى جماعة، ولا حزب.. المهم أنه يربط بعقد اجتماعى جديد.
وبعد ضبط المصطلحات.. سأذكر:
1- الجمهورية القادمة جمهورية السكان أو المواطنين أو المجتمع.. لا جمهورية أبطال ولا مبعوثى العناية الإلهية.. هذه حقيقة لم يفهمها الإسلاميون (إخوان وسلفيين)، وساروا بمشاعر الغزاة الذين انتصروا فى غزوة.
2- هم تعاملوا بمنطق الغزوة، حيث يتم الاحتلال مرة واحدة.. حدث نهائى، بينما الديمقراطية عملية يومية.
3- هكذا فإن فورة المتطرفين التى أعقبت فوز المرسى باعتبارها بشارة اكتمال الغزوة لم تكن صدفة، ولكنها كانت حيلة نفسية وسياسية تعوض وصول الإسلاميين إلى الحكم بغير أدواتهم ولا قوتهم وحدهم.
4- الثورة حركها أو فجرها شباب خارج التصنيفات السياسية، هم وقودها وقوتها ووعيها الخارج على التدجين، وهذا ما حاول الإخوان تعويضه مرات بخطابات تدعى أنهم مفجرو الثورة.. وبعد الفشل فى التعويض اضطر مرسى للقيام بانقلاب فى 21 نوفمبر لإعلان أن الثورة ثورتهم، وأن الغزاة الآن فى القصر الرئاسى.
5- جمهور الإخوان أغلبه سلفى، والجماعات السلفية فراملها لا تقف عند حدود ما تعلمه الإخوان وعرفه جيدا من أن ما يسمى إعادة دولة الخلافة مجرد شاحن معنوى للحشد.
6- السلف ما زالوا يتعاملون بقوة الشاحن، لأن وجودهم السياسى لم يختبر قبل الثورة، وليست لهم خبرة فى مجال السياسة.. وقادتهم أو مشايخهم عاشوا فترات فى توافق مع جهاز أمن الدولة وخصام مع الإخوان.. لأنهم كانوا يرون الدولة «كافرة» أو «عاصية»، بينما الإخوان «مبتدعون..» ويمكنهم التعامل مع الأولى، لكن الثانية خطر على الإيمان… وإلى وقت قريب لم يكن السلفى يصلى فى مسجد الإخوانى والعكس بالعكس.. إلى أن اقترب «النصر الانتخابى» الذى لم يكن التيار كله (إخوان وسلفيين) جاهزا له.. واعتبره أمراء السلف «غزوة صناديق»، بينما انكشف خواء هذه التنظيمات، وعلى رأسها الإخوان من كوادر سياسية.
7- المشايخ أو الدعاة ليسوا سياسيين.. وهذا ما تم اكتشافه عبر كوارث سياسية وشخصية فى البرلمان وغيره، لكن هذه التنظيمات لم تعترف به بعد وما زالوا يعيشون فى عالم افتراضى من صنعهم وحدهم يتخيلون فيه مجتمعا آخر.. ودولة أخرى.
8- وفى الحقيقة كانت السياسة كلها عالما افتراضيا، حتى إننا فوجئنا بحجم الرفض لدولة الفقيه المصرى.. ومعاداة التخلف والرجعية.. ممثلة فى تيارات مهووسة بالسلطة، وتتصور أنها مفوضة من الله.. وظهر أن سلطتها هى الحل وتفويضها من تغييب الناس واستغلال غفلتهم وفجواتهم العاطفية.
9- مقاومة الوقوع فى فخ دولة الفقيه مدهشة حتى لأعداء الدولة الدينية وحكم المشايخ بكل ما كشفه من تهتك وتفاهة وغلظة فى أبسط قواعد الإنسانية..
- وهنا.. نحمد للثورة أنها أدخلتنا فى التجربة.. ورأينا ما لم يكن يمكن أن نراه و«الغزاة» فى كهوفهم السرية يعيشون على التهام كل قيم التحضر والإنسانية تحت وهم أنهم جيش الله المنتظر.