توقيت القاهرة المحلي 09:17:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

محاكمة النائب العام

  مصر اليوم -

محاكمة النائب العام

مصر اليوم

  الحل فى محاكمة النائب العام لا إلغاء تعيينه. هذا ما يُستحب التفكير فيه للخروج من المعركة العبثية حول عبد المجيد محمود وطلعت إبراهيم. لماذا لا يحاكم النائب العام الذى يعطل العدالة ويدخلنا فى متاهات قاسية لنضعف فى مواجهة السلطة؟ ولماذا عدنا إلى طريق التهديد بالقانون أو استخدامه لإضعاف المجتمع فى مواجهة السلطة؟ أسئلة أكبر من عبد المجيد وإبراهيم أو أى آخر يتصارع حوله المستبد الجديد (المرسى وجماعته) لاكتمال إعلان الوراثة الكاملة للمستبد القديم (مبارك وأطلال أجهزته). أسئلة أقطع بها ما يمكن روايته من قصة العنف الطويلة.. لكنه ليس قطعا كاملا، فالنائب العام أحد أبطال القصة ومركز من مراكزها الدرامية.. وكان احتلال موقع النائب العام نقطة ارتكاز فى «عنف» السلطة الإخوانية. لم يكن الغرض إزاحة عبد المجيد محمود.. أو تطهير القضاء أو إعادة هيكلته ليكون النائب العام هو محامى الشعب. الغرض كان إعلان احتلال القضاء.. ووضع شخص يدين بالولاء الكامل فى هذه النقطة المفصلية من علاقة السلطة بالمجتمع والرئاسة بالقضاء والجماعة بالمجتمع.وليس صدفة أن احتلال موقع النائب العام لا تحريره كان فى قلب انقلاب 21 نوفمبر.. لأن قرار استخدام «عنف السلطة» لإخضاع الشعب.. لا يكتمل بدون نائب عام يحميه. النائب العام مفصل من مفاصل الديكتاتورية المقنعة، وكان لا بد أن يكون تحت سيطرة الجماعة وفى طوع يد مندوبها فى القصر.. ولأن الجماعة فاشلة فى امتلاك أدوات السيطرة، كما أنها تريد زرع ديكتاتور فى لحظة فوران المجتمع كله ضد مؤسسات الدولة الاستبدادية.. لم يمر احتلال منصب النائب العام رغم الإيقاع الصاخب للمزايدات التى جعلت مجرد إزاحة عبد المجيد محمود عملا ثوريا، والاعتراض على تعيين نائب عام تابع للرئيس مؤامرة لصالح الفلول. تعرَّى المشهد سريعا بعد أداء نائب عام (المرسى) الذى افتقد إلى حنكة وذكاء عبد المجيد محمود.. وأصبح ظاهرا أنها معركة بين مستبد قديم ومستبد جديد.. وأن أجهزة القديم تدافع عن نفسها فى مواجهة الجديد الغشيم. معركة لا تخص الثورة.. وبمعنى أوضح ضدها.. فالديكتاتور الإخوانى الفاشل يبحث عن أداة يضرب بها.. ولم يصلح عبد المجيد محمود، لأنه ليس مأمونا بما يكفى.. وهذا كل ما فى الحكاية الكاشفة عن ركاكة لا تحتمل. وكما كتبت من قبل فإن النائب العام بوضعه الحالى (تابعا للمستبد القديم أو الجديد) وحدة فى نظام حماية السلطة من المجتمع، لا العكس. المفروض أن يكون النائب العام محامى المجتمع.. لكن أنظمة الاستبداد وجهت قوة النائب العام ضد المجتمع، رغم مقاومة مشهود لها بين القضاة والمستشارين، ورغم ذكاء بعض النواب العموميين فى إدارة العلاقة بين السلطة والمجتمع بما يوفر للنائب العام «استقلالا» أو بمعنى أدق «حرفية» أكثر. عبد المجيد محمود كان من النوع الذكى فى تاريخ النواب العموميين، وشهدت النيابة العامة فى عهده استعادة لأرض اعتدت عليها السلطة التنفيذية (والشرطة خصوصا).. خلال سنوات ما قبل الثورة. هذه الحرفية كانت أيام مبارك تختار ضحاياها من الصف الثانى من السلطة وأحيانا من الصف الأول، لكنها فى النهاية تحمى «المصالح العليا» للنظام، التى يحركها الرئيس، الذى يختار النائب العام. المجلس العسكرى اعتمد على ذكاء النائب العام الحالى فى محاولته لاستيعاب الثورة. المجلس اختار المحاكمات (بعد الثورة) وفق مسار النائب العام، وهو نفس المسار الذى حمى مبارك، ومصمم على حماية أى نظام بغض النظر عن خطورته على الدولة والمجتمع. المجلس ورث من مبارك طريقة فى الحكم، يمكن أن نسميها أسلوب الجيل الثالث من الحكام الجنرالات، وهم الموظفون المهرة فى ألعاب البيروقراطية. من هنا لم يعد الاستبداد بالكاريزما الملهمة للزعيم.. بل بخبرة الموظفين فى الإغراق بالقوانين.. استبداد بالقانون.. تقول السلطة مثلا سنسمح بتعدد الأحزاب ثم تقر قانون الأحزاب الذى يلغى فكرة «الحزب» فعليا ويبقى كيانات كارتونية بلا عمل ولا وظيفة إلا للوكلاء الذين حصلوا على تصريح من النظام بإدارة الدكان السياسى على أن يظل بلا فاعلية. النائب العام مهم فى هذا النظام، خصوصا عندما يكون بذكاء عبد المجيد محمود وحرفيته، لكنه ذكاء يصلح لمرحلة ما قبل الثورة.. حين كان «هامش الديمقراطية» هو «الديمقراطية» والإفراج عن متظاهر بعد مرمطته «انتصارا لاستقلال القضاء».. واستعادة أرض النيابة المفقودة أقصى أمل أمام مجتمع عاش ٣٠ سنة عاريًا من الحماية أمام سلطة تتجبر، وتمارس قهرها الناعم. ذكاء النائب العام يمكن أن ينقذ أنظمة أو يسهم فى إضافة مستحضرات التجميل إلى الوجه الكريه لجمهورية الاستبداد. لكنه لا يحقق عدالة ولا يحمى قوة المجتمع.. رغم أن المنصب هو التعبير القضائى عن هذه القوة. لم يكن المطلوب إذن تغيير اسم النائب العام، أو إزاحة عبد المجيد محمود لوضع آخر فى خدمة الرئاسة.. وليس الموضوع مقارنة ذكاء النائب القديم بالجديد.. ولا خبرته أو حتى إتقانه فى الدور.. لسنا فى اختيار بين عبد المجيد محمود وطلعت إبراهيم، كما أننا لسنا فى اختيار بين المرسى وبقايا نظام مبارك. ومعركة النائب العام تخصنا، بما خسرنا فيها من مساحات.. جعلتنا اليوم نعود خطوات إلى الوراء.. إلى زمن تصدر فيه أوامر ضبط وإحضار لتصفية المعارضة وتزوَّر فيه تقارير الطب الشرعى لحماية الشرطة.. ويتحرك النائب العام لينفذ على الأرض ما يقوله الرئيس فى خطاباته.. هذه عودة إلى زمن من المفروض أن يكون قد انتهى.. وهى خسارة لا يعوضها فقط إلغاء تعيير طلعت إبراهيم، ولكن محاكمته، ليعرف من يجلس فى موقع محامى المجتمع أن وجوده رهْن بأداء دوره للمجتمع، لا لمن يوقِّع على قرار تعيينه.  

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محاكمة النائب العام محاكمة النائب العام



GMT 04:11 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

. وماذا عن حجر رشيد؟!

GMT 04:10 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

استغِلوا «تغطية الجنازات» لإنقاذ المهنة

GMT 04:09 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

«عدّّى النهار والمغربية جايَّه»

GMT 04:06 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

حرب غزة في نادي الجزيرة!

GMT 04:04 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

ليس دفاعًا عن الفراعنة!

GMT 04:02 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الضفة الغربية

GMT 04:00 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

رأس نعمت شفيق

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:59 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

أفضل أنواع الستائر الصيفية لإبعاد حرارة الشمس
  مصر اليوم - أفضل أنواع الستائر الصيفية لإبعاد حرارة الشمس

GMT 22:56 2018 الثلاثاء ,24 إبريل / نيسان

إيدين دغيكو يصنع التاريخ مع روما

GMT 18:14 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

محمد هاني يتعرض لكدمة قوية في الركبة

GMT 02:04 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

اللقطات الأولى لتصادم 4 سيارات أعلى كوبري أكتوبر

GMT 16:20 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

مقتل 3 مواطنين وإصابة 4آخرين في حادث تصادم في المعادي

GMT 07:05 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أجمل ديناصور في العالم بألوان مثل طائر الطنان

GMT 06:33 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار الحديد في الأسواق المصرية الثلاثاء

GMT 21:12 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

الأهلي يعترف بتلقي مؤمن زكريا لعرض إماراتي

GMT 00:34 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

أبرز النصائح الخاصة بإدخال اللون الذهبي إلى الديكور

GMT 12:51 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد ناجي يمنح محمد الشناوي وعدًا بالانضمام للمنتخب

GMT 14:37 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الإعدام شنقًا لـ7 من أعضاء خلية "داعش" في مطروح
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon