توقيت القاهرة المحلي 13:25:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كل تلك الجدية.. لماذا؟

  مصر اليوم -

كل تلك الجدية لماذا

وائل عبد الفتاح

انظر إلى كل متصدرى واجهات السلطة.. والحكومة.. والمسؤولية السياسية.. تأملهم جيدا.. تمعن فى ملامحهم.. إنهم جادون.. جديتهم تطغى على كل ملامحهم.. إنها تلك الجدية التى تنتاب مدرس لغة إنجليزية لتحويل اللغة إلى قائمة محفوظات.. متخيلا أن اللغة ليست إلا ما يعرفه.. ويتصور أنه حدود المعرفة.. هذا المدرس قاتل بجديته كل إمكانيات تعلم اللغة.. مثل زميله فى اللغة العربية الذى يوقف التلاميذ فى طوابير الحفظ مهددين بالضرب.. وسط وهم كبير بأن هذا هو التعليم. ‎هؤلاء جادون وربما يعتبرون أنفسهم فى مهمة جليلة.. تستحق التحية والاحترام والتقدير.. بينما هم فى الحقيقة قتلة.. ومجرمون.. أفسدوا حياة آلاف وملايين بنياتهم التى سنقول عنها الآن إنها طيبة. ‎هذه الجدية التى تظهر على ملامح الفرقة الحاكمة هى أخطر ما فى شهور حكم الإخوان، إنها حالة أقرب إلى الحياة فى بيت المرايا فلا ترى سوى نفسك وتتخيل أن ما تعرفه هو المعرفة، وأنك الملاك الطيب الذى أُرسل إلى مدينة الشياطين. ‎وفى العادة هذه الجدية ليست سوى دفاع عن الذات أو عن جهلها بالتحديد.. فالمدرس الذى يضرب تلميذا لأنه لم يحفظ نصوصا رديئة.. متخيلا أن هذه هى اللغة.. هو شخص بلا إمكانيات ولديه عقل تافه.. لكنه يعوض كل ذلك بالجدية الظاهرة كأنها يمكن أن تكون بديلا عن الكفاءة والذكاء. ‎الفرقة الحاكمة تعيش فى خيالها الذى يصور لها أن العبوس والتكشيرة وتقطيبة الوجه هى دليل الاهتمام بالمشكلات، رغم أنه يمكن أن تكون مهتما وقادرا على حل المشكلات وأنت مبتسم.. وكأنك تلعب. ‎يصور هذا الخيال للمسؤول أيضا أن الكلام عن الأخلاق والدعوة إلى الله يمكن أن تكون بديلا عن امتلاك مهارات حل الأزمات.. والتفكير قبل وقوع الكارثة لا بعدها أو بعد أن تتحول إلى مأساة. ‎والأقوى أن المرسى حين أراد أن يثبت للجميع أن له كاريزما تصور أن هذا يعنى اللعب بالعين والحاجب وإظهار الشراسة من خلال الضغط على الكلمات، رغم أن ألف باء الشخصية الجذابة هو تحريرها من أنماط التفكير المغلقة.. وهو ما لم يفعله المرسى أو بالتحديد فعل عكسه تماما. ‎التفكير الذكى شىء وإظهار الجديد أو الكلام عن الذكاء شىء آخر.. فماذا فعل رئيس جمهورية عاش فترات طويلة فى صفوف معارضة (نصفها فى البرلمان) وعاش أيضا بين قاعات ومعامل الجامعات حيث التفكير والمنهج العلمى؟ ‎سنرى من العجز أمام غرق مدن الإسكندرية والشمال مثلا أننا أمام رجل عطل كل خبراته من أجل ما لا نعرفه.. فأين الخبرة بمشكلات مصر وأين المنهج العلمى فى حل هذه المشكلات؟ ‎هذه مسألة بعيدة عن الخلاف السياسى لأن حاكم نيو جريسى الجمهورى أشاد بطريقة أوباما الديمقراطى فى إدارة أزمة عاصفة ساندى. ‎الموضوع هنا ليس منافسة سياسية، لكن توظيف السياسة والمهارات والقدرات لخدمة عامة.. وهذا ما لم نره بعد أكثر من ٦ أشهر من حكم المرسى. ‎كل هذه الجدية على الوجوه الحاكمة لا تعنى أبدا الجدية فى علاج المشكلات أو بناء جسور إلى دولة جديدة، ولكنها جدية من نوع يخص مهام غير معلنة.. جدية المدرس الذى يريد فرض سيطرته لا تعليم الطالب.. جدية الرئيس الذى لا يفكر سوى فى ضم قبضته وبداخلها مؤسسات الدولة.. جدية الذى يتصور أن كل المشكلات ستحل لأنه أصبح فى السلطة.. وعندما أصبح فى السلطة.. لم يفعل سوى إقامة أسوار عالية لكى لا يقترب منه أحد. إنها تلك الجدية التى جعلت المبرراتى وظيفة فى جماعة الإخوان.. وتبرير لقرارات هو موضوع الاجتماعات فى الأسرة الواحدة الصغيرة فى تنظيم الإخوان. ‎أنت جاد لأنك فى معركة، أو بمعنى أدق، لتبدو أنك فى معركة، أمامك خصوم.. وأعداء طامعون، فلا بد أن تركز فى الانتصار عليهم.. ما المعركة؟ لا تعرف.. ولماذا انتصارك هو الخير؟ لا تعرف.. فقط ضع التكشيرة على وجهك والتقطيبة فى جبهتك.. وتوكل على الله وأظهر على الناس كأنك تحمل همّ الأمة.. وأنت خائف من أن يكشفك أحد أنك لا تعرف سوى الدفاع عن مقعدك.. وكل جديتك لتدارى فراغك الداخلى. إنها تلك الجدية الفارغة. نقلاً عن جريدة " التحرير " .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كل تلك الجدية لماذا كل تلك الجدية لماذا



GMT 04:09 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

شكراً إيران

GMT 04:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عودة إلى «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران!

GMT 04:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نيران المنطقة ومحاولة بعث التثوير

GMT 04:00 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

GMT 03:50 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ليبيا وتداول السلطة بين المبعوثين فقط

GMT 03:48 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأردن من أيلول الأسود لليوم

GMT 03:33 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

اكتشافات أثرية تحت المياه بالسعودية

GMT 03:21 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«الإبادة» ليست أسمى

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 20:53 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أجاج يؤكد أن السيارات الكهربائية ستتفوق على فورمولا 1

GMT 02:41 2016 الأحد ,15 أيار / مايو

الألوان في الديكور

GMT 15:53 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

إقبال على مشاهدة فيلم "Underwater" فى دور العرض المصرية

GMT 15:43 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

مجلس المصري يغري لاعبيه لتحقيق الفوز على الأهلي

GMT 14:25 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

دراسة جديدة تُوصي بالنوم للتخلّص مِن الدهون الزائدة

GMT 17:44 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يستغل الخلاف بين نجمي باريس سان جيرمان

GMT 03:56 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

عبدالله الشمسي يبتكر تطبيقًا طبيًا لمساعدة المرضى

GMT 14:00 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

أودي تطرح أفخم سياراتها بمظهر أنيق وعصري

GMT 17:49 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

مدير المنتخب الوطني إيهاب لهيطة يؤجل عودته من روسيا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon