توقيت القاهرة المحلي 21:48:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رحلة الصعيد

  مصر اليوم -

رحلة الصعيد

وائل عبد الفتاح

وفجأة هتف الرجل الطيب: «.. نعم لدستور العبيد». ‎إنه شاعر القرية مرهف الحس كما عرفه مذيع المؤتمر.. لكنه كان يشعر بتوتر كبير من كل هذه الآراء التى ترفض الدستور، وتعتبره مكتوبا لإعادة استعباد البشر.. ‎جمهور المؤتمر من أهالى القرية هتفوا «لا»، وهو ما دفع الرجل الطيب للهتاف دون تفكير أو بمشاعر انفجرت بعد أن خذلها الوعى المشحون ضد رافضى الدستور. ‎الوعى الذى يصل إلى الصعيد وعى سلطة فى الغالب، حيث تبدو مدن وقرى الصعيد كأنها ما زالت تحت حكم الفراعنة.. حياتهم تسير بقوانين ترتبط بسريان النيل وبالسلطة التى تسيطر على النيل. ‎الاستقرار يقترب من أن يكون دينا أو عقيدة تدعمها البيئة الاجتماعية.. التى تعيش فى زمن آخر.. قد يكون زمن الفراعنة حيث الاستقرار مرتبطا برضا الفرعون ساكن القصر الكبير.. أو زمن الإقطاع حيث السيد يملك الأرض ومن عليها.. ويتحكم فى الحياة الشخصية والمصائر والاختيارات.. أو زمن سيطرة العصابات من مطاريد الجيل إلى أمراء الجماعات الإرهابية.. وكل عصابة تستخدم القوة وتتميز الجماعة الإرهابية بأنها تبرر إرهابها بالدين، بينما المطاريد يبررون إجرامهم بالظلم. ‎لماذا يبدو الصعيد فى زمن آخر.. أو كأنه «بلد آخر»؟ ‎لماذا السفر إليه صعب أو كأنه عبور لحواجز حضارية؟ ‎تعجب كل من عرفوا أننا سنسافر الصعيد.. اعتبرونا فى مهمة قتالية.. حتى الرومانسيون أشفقوا علينا... وأسياخ السياسة قالوا لنا: هتنزلوا الصعيد متأخر قوى. ‎فكرة «النزول..» تثير الغيظ. ‎وهى فكرة فيها من التعالى شىء ليس قليلا... يصفون بها السياسى وهو يذهب إلى الجماهير... أو إذا تكلم المثقف عن الناس... فيردون عليه «انزل إليهم أولا..». ‎بهذه الفكرة: (النزول) سيطرت الأنظمة على الصعيد أو تعاملت معه، فرغم أنه يمثل أكثر من ٣٦٪ من سكان مصر، فإنه يرتبط بشكل مذهل بأوصاف المنسى أو المهمل. ‎يتذكرونه فقط فى الانتخابات، لا فرق هنا بين نظام مبارك ونظام الإخوان، الصعيد ساعتها يتحول إلى «التعبير الحقيقى عن هوية مصر».. كما قال بيان حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للإخوان بعد نتيجة الاستفتاء... يقولون هذا لأن نسبة «نعم» فى الصعيد كانت مرتفعة.. وكأنهم بالوعى المخادع يقولون إن الهوية التى يريدونها مرتبطة بالتخلف الذى يعيش فيه الصعيد بسبب فشل السياسات وتوحش الأنظمة وأنانيتها ورغبتها المفرطة فى التحكم بالسلطة والثروة. ‎فى الصعيد تخلف اجتماعى، لا متخلفون... هذا التخلف جعل منطقة الصعيد كلها طاردة للسكان (نسب الهجرة من مدن الصعيد ترتفع كل سنة)، وهو ما يجعل الخبرات والكفاءات تهاجر بعيدا كما يجعل التنمية كأنها حرث فى الماء. ‎تموت المدن سريعا فى الصعيد، كما أنها تتحول بفعل عدم وجود صناعات كبيرة، ولا تنمية مستدامة إلى «قرى كبيرة..» بما يتيح للسلطة السيطرة عليها عبر التوظيف فى المصالح الحكومية. ‎السلطة مسيطرة أيضا، لأن أغلب أراضى الصعيد حيازات صغيرة، وهو ما يجعلها تنتظر دائما السياسات الحكومية فى توزيع الأسمدة وشراء المحاصيل. ‎الصعايدة أسرى السلطة.. لا يقابلها فى المجتمع إلا العصبيات القبلية والأعراف القديمة.. وهذا سر العلاقة المعقدة بين الثورة والصعيد. ‎هل الصعيد ضد الثورة؟ ‎ولماذا يمكن أن يهتف رجل طيب فى قرية صغيرة نعم لدستور العبيد؟ ‎هذه حكاية أخرى. نقلاً عن جريدة "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحلة الصعيد رحلة الصعيد



GMT 21:26 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي.. آلة الزيف الانتخابي

GMT 21:24 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

فلسطين بين دماء الشهداء وأنصار السلام

GMT 21:06 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الشكلانية والتثعبن

GMT 19:52 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

في حب العمدة صلاح السعدني

GMT 19:50 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

‎فيتو أمريكى ضد الدولة الفلسطينية.. لا جديد

GMT 04:56 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

المستفيد الأول إسرائيل لا إيران

GMT 04:15 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الغضب الساطع آتٍ..

GMT 04:13 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

جبر الخواطر.. وطحنها!

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:49 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
  مصر اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 08:00 2024 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

القمر في منزلك الثامن يدفعك لتحقق مكاسب وفوائد

GMT 11:11 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

قمة "كوكب واحد" تكرس ماكرون رئيسًا لـ"معركة المناخ"

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

دار Blancheur تعلن عن عرض مميز لأزياء المحجبات في لندن

GMT 16:21 2021 الجمعة ,11 حزيران / يونيو

ليفربول يودع جورجينيو فينالدوم برسالة مؤثرة

GMT 10:19 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

3 قلوب ينبض بها عطر "أورا" الجديد من "موغلر"

GMT 09:59 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

مجدي بدران ينصح مرضى حساسية الأنف بعدم الخروج من المنزل

GMT 03:10 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

صناعة الجلود في المغرب أصالة تبقى مع مرور السنوات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon