توقيت القاهرة المحلي 03:52:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العقل الذى فى القصر

  مصر اليوم -

العقل الذى فى القصر

وائل عبد الفتاح

إنه دستورهم فعلا. دستور هذه العقلية التى عبر عنها الرجل الطيب محمد رفاعة الطهطاوى، حفيد الطهطاوى الكبير فى ثقافته وعلمه وأحد الجسور المعرفية المهمة فى نقل مصر إلى دولة حديثة. الطهطاوى الصغير عمل سفيرا ثم مديرا لمكتب شيخ الأزهر، قبل أن يصبح رئيس الديوان الجمهورى، وهو منصب لا يتطلب منه أن يدلى بأحاديث أو يفسر قرارات أو يروى حكايات عن كيفية اتخاذ الرئيس قراراته. ويبدو أنه من فرط طيبته، تورط فى ما ليس مطلوبا منه، وكشف ما قد تخفيه الكاميرات والتصريحات وأبهة قصر الحكم، فقد فسر الطهطاوى الصغير استدعاء الإخوان للدفاع عن المرسى تفسيرا كاشفا وفاضحا للعقلية التى تحكم مصر. قال الطهطاوى الصغير لمنى الشاذلى «سأضرب لك مثلا لتعرفى لماذا جاء الإخوان لنصرة السيد الرئيس». والمثل كان.. «افترضى أننى فى بيتى وهاجمنى مجموعة من الناس.. وسبونى وهددوا باقتحام البيت.. ثم طلبت البوليس فلم يستجب.. هل سيسكت أهل طهطا؟ بالتأكيد سيهبّون لنصرتى وهذا ما حدث». كلام الطهطاوى الصغير يفضح عقلية إدارة الدولة بمنطق القبيلة، ويكشف ضمن ما يكشف: 1- أنهم يعتبرون مظاهرات الرفض أو الاعتراض هجوما على الرئيس. 2- أن قصر الرئاسة بيت الرئيس وليس رمز الحكم، لا يستمد مكانته من إقامة الرئيس فيه، ولكن من أنه المكان الذى تدار منه الجمهورية. والمظاهرات عندما تعترض على هذه الإدارة فلا مكان سوى هذا القصر كما يتظاهر الأمريكان عند البيت الأبيض والإنجليز عند 10 داوننج ستريت. 3- أن الرجل الطيب لم يكن مضطرا إلى المبالغة، وتكرار الرواية الساذجة التى قالها رئيسه عن التهديد بالاقتحام، لأنه لو كان هذا هو الهدف لتحقق.. مع الأعداد الكبيرة التى أحاطت بالقصر وأجبرت الرئيس على الهرب من الأبواب الخلفية. 4- أن اعتراف الرجل الطيب بأن الشرطة عجزت أو أرادت عدم المواجهة بالطرق القديمة، لا يؤكد فقط عدم سيطرة المرسى على مؤسسات الدولة، ولكن على كذب رواية قالها الطهطاوى ورددها المرسى من قبل عن أن الأوامر صدرت من الرئاسة بعدم التعرض.. اعتراف الطهطاوى يؤكد أن الأوامر صدرت من الرئاسة ولم تنفَّذ كما يريد المرسى، ليس لأن وزارة الداخلية غيَّرت موقفها لكنها لا تريد دفع فواتير حماية أنظمة يثور الشعب ضدها، وأرادت القرارات مكتوبة ورسمية بطرق المواجهة وأُفق التصعيد. 5- أنه عندما تُدار الدولة بهذا المنطق القبلى، ويساند أهل طهطا الطهطاوى.. فهذه ليست دولة، ولا من يديرها يفهم أنها دولة لها طرق ومؤسسات وأدوات حكم ليس من بينها استدعاء أهل العشيرة أو القبيلة، وإلا لماذا تحارب الدولة الثأر فى الصعيد، وتعتبِر من يمارس سلطتها بلطجيا ومعتديا ومجرما؟ 6- أن الرجل الطيب لم يكن فى حاجة إلى تكرار روايات الإخوان عن قتلاهم وشهدائهم دون تدقيق أو تفكير سيكشف له قبل غيره محاولات شراء الشهداء وسرقة الجثث من المشرحة والتضليل بوضع صور لمصاب معارض ضمن قائمة الشهداء الذين بكى عليهم المرشد.. لأنه لو حتى كانت روايات الإخوان صادقة فإنهم المعتدون.. وإذا قُتل المعتدِى.. فإن هذا لا ينفى جريمة الاعتداء. ورغم أننى لا أعتقد أن الرجل الطيب ينتمى إلى الجماعة، لكنه يبدو مأخوذا بسحر السلطة وجاذبيتها، وأنه قد وقع فى غرام حالة القصر التى تحاكى فى ما يبدو نموذج العمدة أو العزبة.. وهو النموذج المحبب لديه ويعتبره حسب هذه الرواية مصدر الإلهام. الطهطاوى الصغير وجد نفسه فى حالة القصر كما هندستها الجماعة ليقيم مندوبها، ومن الطبيعى أن يدافع عما خطفه على الأقل ليكشف لنا عن تفاصيل العقل الذى فى القصر.. عقل القبيلة و«أهلى وعشيرتى».. الذى يستلهم رواياته فى الخطب الرئاسية من صحفى متخصص فضائح ما زال يؤمن بأن صدام موجود على قيد الحياة ولم يُعدَم. بهذا العقل كُتب الدستور. وبهذا العقل أشعل المرسى الحرب الأهلية من أجل دستور جماعته. وبهذا العقل يصدِر الرئيس القرارات وعكسها، ويجرب صلاحياته كما يحدث فى ألعاب البلاى استيشن.. وللطهطاوى الصغير رواية كررها فى أكثر من وسيلة إعلامية وأراد بها التأكيد أن الرئيس صحح قراره لصالح الشعب حتى إنه اتصل به بعدما غادر القصر متجها إلى بيته، وقال له لا أريد أن أزيد الأعباء على الشعب.. وأكد رئيس الديوان «التغير فى القرار نتيجة إلى استماع الرئيس إلى نبض الجماهير». هى فى النهاية سذاجة لا تُحتمَل..!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العقل الذى فى القصر العقل الذى فى القصر



GMT 02:33 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

«متعلّمة»

GMT 02:31 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الأطفال والإدمان التكنولوجي المسكوت عنه

GMT 02:28 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

عقارات بني أسد... وهمسات التاريخ

GMT 02:26 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

إيران واستراتيجياتها وموقع فلسطين

GMT 01:49 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الصدر والحكيم والهوية المُركبة

GMT 01:43 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الأردن بين إيران وإسرائيل

GMT 00:00 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

معركة الاتحاد غير العادلة

GMT 00:00 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

المخادعون

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:49 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
  مصر اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 02:58 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

فيتو أميركي ضدّ عضوية فلسطين في الأمم المتحدة
  مصر اليوم - فيتو أميركي ضدّ عضوية فلسطين في الأمم المتحدة

GMT 03:24 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

"الثعابين" تُثير الرعب من جديد في البحيرة

GMT 22:38 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

نادي سموحة يتعاقد مع محمود البدري في صفقة انتقال حر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon