توقيت القاهرة المحلي 13:45:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الديكتاتورية للمبتدئين

  مصر اليوم -

الديكتاتورية للمبتدئين

وائل عبد الفتاح

إنها فعلا ديكتاتورية بائسة.. خيالها فقير.. بل معدوم. رئيس جمهورية منتخب بنسبة ٥١٪ قرر أن يصبح ديكتاتورا ووجد من يدفعه إلى الأمام. فريقه الاستشارى لا يعرف شيئا، ووزير عدله يتحفظ، والشخصيات المختارة للدفاع عن الإعلان فى الفضائيات، ليس لديها أكثر من كلمات قليلة تبدأ بـ«ماذا يفعل..؟» وتنتهى بـ«وما الحل الآن... الرئيس لن يتراجع...». لم يقل أحد لكل هؤلاء إن إصدار الإعلان الدستورى ليس من حق رئيس منتخب، لأن هذا الحق رهْن بأن تكون «سلطة أمر واقع» أى ليست سلطة منتخبة مثل سلطات الانقلاب أو الاحتلال أو فراغ سياسى. لم يفكروا لأن شهوة افتراس الغنيمة لدى المرسى وجماعته أقوى من التفكير والمقاومة. ليس مهما الآن مَن ورّط المرسى فى إعلان يفتقر إلى معرفة القانون أو الدستور أو التاريخ أو السياسة أو حتى اللغة، فالحكايات عن ملابسات التوريط أصغر وأكثر تفاهة من كل توقع. وليس مُهمًّا كيف يفكر المرسى فى الخروج من ورطته.. وكلها طرق تكشف عن قلة حيلة جماعة الإخوان ومن أحاط بها أملا فى نصيب من الغنيمة. المهم أننا أمام محاولة لبناء ديكتاتورية جديدة، هدفها ليس تنصيب المرسى ديكتاتورا فقط، ولكن بناء دولة القبيلة الواحدة التى يكون لها الحكم والسيادة فى مقابل إلقاء الفتات للجميع باعتبارها مِنَحًا أو بعضا من كرم القبيلة الغالبة. هذه العقلية يكشفها الإعلان الدستورى ويكتمل الاكتشاف بخطبة الديكتاتور لقبيلته المحتشدة أمام القصر، يطمئنها أن الثورة أصبحت فى يده وليس الحكم فقط... فالجماعة كان يرهقها أن مشاركتها للثورة ليست خالصة والحل كما فى كل التنظيمات الفاشية (دينية أو سياسية) هو إعلان أن الثورة ثورتنا.. والدولة أصبحت دولتنا. المرسى لم يكن مرشحا للثورة حتى، لكنه الآن يبرر ديكتاتوريته بأنها حماية للثورة، ويسميها قرارات ثورية، ويضع تأييدها معيارا للانتماء للثورة.. وهذا يكشف عن الضحية الكامنة فى أعماقه وتريد إعادة إنتاج جلادها، فما فعله بالضبط هو سلوك الانقلابات العسكرية، وتفوق عليها بما لم يستطع أعتى مجانين الاستبداد، فحصن قراراته بأثر رجعى، ومنح لنفسه حقا مطلقا فى اتخاذ إجراءات أو تدابير لحماية الأمة. ولأنها ديكتاتورية بائسة، فقيرة الخيال، فإنها قسمت الدولة والمجتمع بما يجعل العنف الأهلى قريبا، وهو ما تراهن الجماعة على أنها قادرة بحشودها على حسمه، متخيلة أنها بحماية الرئيس لجهاز الأمن فإنها تضمن ظهيرا مسلحا قادرا على القمع كما يحدث الآن. المرسى يتصور بذكاء عضو الجماعة وابن القبيلة، أنه يستخدم الدولة الأمنية، ولا يدرك أن الدولة الأمنية تستخدمه، ولديها خبرة ٢٨ يناير ٢٠١١، حيث دفعت وحدها فاتورة استبداد مبارك، وهو ما لن تكرره. التحالف بين الرئيس والشرطة ليس كاملا ولا على بياض، خصوصا مع عدم قدرة أحد فى مؤسسات الدولة الفاعلة (القضاء أو الإعلام) على الدفاع علنا عن إعلان بهذه الركاكة والبؤس. لا حل أمام المرسى إلا التقدم إلى الأمام، مستخدما أجهزة القمع (الأمن) والتضليل (الإعلام) ولأنه ليس لديه كوادر تتمتع بالكفاءة أو الخبرة، فإن هذه الأدوات تفتقد فاعليتها أمام وعى صنعته موجات الثورة المتتالية فى مواجهة مبارك ونظامه، ثم فى مواجهة المجلس العسكرى، والآن فى مواجهة الديكتاتور وقبيلته. الوعى الجديد يتحرك بروح كسرت الخوف، وتواجه بصدرها المفتوح كل من يحاصر أحلامها فى حرية وكرامة وعدالة اجتماعية، أو يعيد بناء الديكتاتورية، ويتصور أن الثورة غنيمة سهلة.. هذه الروح تطارد كل ديكتاتور، سواء كان جنرالا أو مندوب جماعة تقتلها شهوة الاستحواذ والتكويش.. كلهم يصفون الثوار بالبلطجية والثورة بالمؤامرة.. وكلهم لا يدركون حقيقة أن الثورة مستمرة وتحطم متاريس كل سلطة. المرسى لم يتعلم من الدروس المستفادة من فترة المجلس العسكرى، وفهم أنه بالحصول على إعجاب أو رضا الإدارة الأمريكية يمكنه أن يفعل ما يشاء، أو يستخف بما فعلته الثورة فى شعب لم يعد سهلا ترويضه. الموضوع واضح تماما، إما القبول بديكتاتورية تبنى دولة القبيلة الواحدة كلنا فيها رعايا الجماعة.. وهو القبول الذى سيفجر عنفا أهليا لا يعلم أحد إلى أين سينتهى. وإما أن يدرك الجميع أن هذه بلدنا جميعا، ومصلحتنا أن نعيش معا فى ظل دولة حديثة.. قوامها المواطنة.. ومعيارها حماية حقوق كل فرد فيها. بدون هذا عنف لا حدود له سوف يجىء. نقلاً عن جريدة "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الديكتاتورية للمبتدئين الديكتاتورية للمبتدئين



GMT 04:56 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

المستفيد الأول إسرائيل لا إيران

GMT 04:15 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الغضب الساطع آتٍ..

GMT 04:13 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

جبر الخواطر.. وطحنها!

GMT 04:11 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

عامٌ يبدو أنه لن يكون الأخير

GMT 04:05 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الدعم المصري السخي

GMT 04:01 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

للعبادة معنى أشمل

GMT 03:57 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

في الهوا سوا

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:49 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
  مصر اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 03:24 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

"الثعابين" تُثير الرعب من جديد في البحيرة

GMT 22:38 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

نادي سموحة يتعاقد مع محمود البدري في صفقة انتقال حر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon