توقيت القاهرة المحلي 09:42:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العذاب الأبدي

  مصر اليوم -

العذاب الأبدي

أسامة غريب

هل صحيح أن الطعن من الأمام أكرم وأحفظ للود من الطعن فى الظهر؟ هل ضربة السكين فى القلب من موقع المواجهة تختلف عن تمزيق نفس القلب، إذا تم غرس السكين به من الخلف؟ لقد ذكر أحد الحكماء فى موضع السخرية واليأس من الصداقة أن الصديق الحقيقى هو الذى يكتفى بأن يطعنك من الأمام، بينما يقول الصحابى الجليل خبيب بن عدى: ولست أبالى حين أُقتل مسلماً.. على أى جنب كان فى الله مصرعى. ولكن لماذا الطعن من الأساس بين الأهل والأصدقاء، وهل صار حتميا حتى نتمنى الترفق عند القيام به، ونطلب اللطف فيه؟ يبدو أن الأمر صار كذلك، وعليه وجب أن نفهم مزايا تلقى الطعنة من الأمام. أعتقد أن وصم الطاعن من الخلف بالجبن قد وصّف الحالة، لكن دون أن يفسرها، ذلك أن حامل السلاح الذى يبغى الشر بخصمه أو بصديقه يملك إمكانية الحسم فى كل الأحوال، سواء واجه الرجل، وطعنه من الأمام أو باغته ورشقه من الخلف، فما الذى يجعله يخشى النظر فى عينى الضحية ويؤثر أن يدفن نفسه وسلاحه فى الظهر تفادياً لتلاقى العيون؟ أظن السبب يكمن فى أن العيون ليست مجرد وسيلة للرؤية والإبصار، لكنها تختزل الإنسان كله فى نظرة، وبإمكانها أن تحمل فى لمحة كل الأمل والألم والعتاب، وهى حاملة ومستقبلة رسائل طوال الوقت، لهذا فإن كثيراً من الناس تتحاشى النظر فى عيون من تحدثه، سواء من أجل أن تخفى الكذب الذى تلوكه أو الشر الذى تضمره، وقد قالوا من قديم إن الصبَ تفضحه عيونه، أى أن العاشق مهما اجتهد فى إخفاء مشاعره فإن نظرة منه إلى المحبوب يراها الناس، كفيلة بكشف قصة الحب التى اجتهد العاشقان فى تخبئتها..لذلك فإن القاتل يخشى من مواجهة كل ذلك ويتحاشى أن تلتقى عيناه بعينى صديقه، خشية أن يُحمّل المقتول نظراته رسائل لا تُحتمل فى تلك اللحظات بها ذكريات عن ملاعب الصبا وعن معابثة الفتيات وعن المشاجرات التى دخلها لأجل صديقه والمواقف التى حماه فيها من الفضيحة، وستر عليه، وكذلك عندما أنقذ حياة قاتله من الموت. كل ذلك لا يود القاتل أن يتعرض له خشية الكوابيس الليلية التى ستصاحبه بقية العمر وتفسد عليه المغانم التى حصدها من طعن صديقه..هذا فضلاً عن الأشعة التى تخرج من العينين المغدور صاحبهما.. تلك الأشعة التى يخشاها الناس حتى فى أوقات السلم والحياة الطبيعية فيما بينهم، ويمكن لمثال المصعد أن يكون كاشفاً، حيث يخشى الغرباء الذين يضمهم الأسانسير أن تتلاقى نظراتهم خوفاً من الأشعة التى لا يبطلها سوى الود بين الناس، فيحملق كل منهم فى السقف، أو يتشاغل بالعبث بشاربه أو النظر فى المحمول.. يحدث هذا لتفادى الأشعة التى تخرج من العينين، خشية أن تحمل موجات ضارة. لكل ذلك فإن الحكيم قد وصف الصديق الحقيقى بأنه ذلك الذى يطعن من الأمام، ولربما قد قصد بدهاء أن يستثير نخوة صديقه القاتل ويستدرجه إلى ملعبه، حيث تتلاقى نظرات العيون وقت الطعن، فيضمن بهذا أن يقذف بقاتله إلى أتون العذاب الأبدى. نقلاً عن جريدة " المصري اليوم "

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العذاب الأبدي العذاب الأبدي



GMT 04:56 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

المستفيد الأول إسرائيل لا إيران

GMT 04:15 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الغضب الساطع آتٍ..

GMT 04:13 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

جبر الخواطر.. وطحنها!

GMT 04:11 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

عامٌ يبدو أنه لن يكون الأخير

GMT 04:05 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الدعم المصري السخي

GMT 04:01 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

للعبادة معنى أشمل

GMT 03:57 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

في الهوا سوا

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:49 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
  مصر اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 03:24 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

"الثعابين" تُثير الرعب من جديد في البحيرة

GMT 22:38 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

نادي سموحة يتعاقد مع محمود البدري في صفقة انتقال حر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon